فصل: بَابُ الشُّفْعَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [ضَمانُ الْمُفَرِّطِ مَا تَلِفَ بِتَفْرِيطِهِ]:

(وَإِنْ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ) وَاقِفَتَانِ أَوْ مُصْعِدَتَانِ أَوْ مُنْحَدِرَتَانِ (فَغَرِقَتَا، ضَمِنَ كُلُّ) وَاحِدٍ مِنْ قِيمَتَيْ السَّفِينَتَيْنِ (سَفِينَةَ الْآخَرِ وَمَا فِيهَا) مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ (إنْ فَرَّطَا)- أَيْ: الْقَيِّمَانِ- (بَعْدَ تَكْمِيلِ آلَةٍ مِنْ نَحْوِ رِجَالٍ) كَأَخْشَابٍ (وَحِبَالٍ)؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِسَبَبِ فِعْلَيْهِمَا، فَوَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِسَبَبِ فِعْلِهِ؛ كَالْفَارِسَيْنِ إذَا اصْطَدَمَا، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطَا؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ التَّلَفَ وَتَسَبُّبِهِ فِيهِ، (فَإِنْ فَرَّطَ أَحَدُهُمَا) دُونَ الْآخَرِ؛ (ضَمِنَ) الْمُفَرِّطُ (وَحْدَهُ) مَا تَلِفَ بِتَفْرِيطِهِ؛ لِتَسَبُّبِهِ فِي إتْلَافِهِ (وَمَعَ تَعَمُّدِهِمَا [أَيْ الْقَيِّمَيْنِ] صَدْمًا)؛ فَهُمَا شَرِيكَانِ فِي ضَمَانِ إتْلَافِ كُلٍّ مِنْ السَّفِينَتَيْنِ، وَفِي ضَمَانِ إتْلَافِ مَنْ فِيهِمَا مِنْ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهُ تَلَفٌ حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا، فَاشْتَرَكَا فِي ضَمَانِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ خَرَقَاهُمَا، فَإِنْ كَانَ الصَّدْمُ (يَقْتُلُ غَالِبًا)؛ فَعَلَيْهِمَا (الْقَوَدُ) بِشَرْطِهِ مِنْ الْمُكَافَأَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُمَا تَعَمَّدَا الْقَتْلَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَلْقَيَاهُ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ التَّخْلِيصُ فَغَرِقَ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْتُلْ غَالِبًا بِأَنْ فَعَلَا قَرِيبًا مِنْ السَّاحِلِ؛ (فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ)؛ كَمَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ فَغَرِقَ بِهِ. (وَلَا يَسْقُطُ فِعْلُ صَادِمٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَلَوْ) كَانَ الِاصْطِدَامُ (مَعَ غَيْرِ عَمْدٍ)؛ بِأَنْ كَانَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ، عَمْدٍ؛ أَيْ: إذَا مَاتَ أَحَدُ الْقَيِّمَيْنِ دُونَ الْآخَرِ بِسَبَبِ تَصَادُمِ السَّفِينَتَيْنِ؛ لَمْ يُهْدَرْ فِعْلُ الْمَيِّتِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بَلْ يُعْتَدُّ بِهِ لِمُشَارَكَةِ الْآخَرِ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ.
قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ: هَذَا قِيَاسُ الْمُذَهَّبِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ ووَالْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي الدِّيَاتِ (خِلَافًا لَهُمَا)- أَيْ: لِلْمُنْتَهَى وَالْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُمَا قَالَا: وَلَا يَسْقُطُ فِعْلُ الصَّادِمِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَعَ عَمْدٍ. فَمَفْهُومُهُمَا أَنَّهُ يَسْقُطُ مَعَ غَيْرِهِ، فَعَلَى قَوْلِهِمَا يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِوَرَثَةِ الْآخَرِ، وَبِهَذَا جَزَمَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَهُوَ فِي الْمُذَهَّبِ قَوْلٌ غَرِيبٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ اللَّبِيبِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَيُسْقِطُ نِصْفَ دِيَتِهِ) إنْ كَانَ حُرًّا، وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ إلَّا نِصْفُهَا (أَوْ)؛ أَيْ: وَإِنْ كَانَ قِنًّا فَيَسْقُطُ نِصْفُ (قِيمَتِهِ)، وَلَيْسَ لِمَالِكِهِ إلَّا نِصْفُهَا؛ لِأَنَّهُ شَارَكَهُ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ، وَإِنْ مَاتَا وَجَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَتِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْآخَرِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا سَقَطَا، وَإِلَّا بِقَدْرِ الْأَقَلِّ. (وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا)- أَيْ: السَّفِينَتَيْنِ الْمُصْطَدِمَتَيْنِ- (وَاقِفَةً)، وَكَانَتْ الْأُخْرَى سَائِرَةً، وَاصْطَدَمَتَا فَغَرِقَتَا؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى قَيِّمِ الْوَاقِفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ وَلَمْ يُفَرِّطْ، أَشْبَهَ النَّائِمُ فِي الصَّحْرَاءِ إذَا عَثَرَ بِهِ آخَرُ، فَتَلِفَ، وَ(ضَمِنَهَا)- أَيْ: الْوَاقِفَةَ وَمَا فِيهَا- (قَيِّمُ السَّائِرَةِ إنْ فَرَّطَ)؛ بِأَنْ أَمْكَنَ رَدُّهَا عَنْهَا، وَلَمْ يَفْعَلْ، أَوْ لَمْ يُكْمِلْ آلَتَهَا مِنْ رِجَالٍ وَحِبَالٍ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِقُصُورِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَامَ وَتَرَكَهَا سَائِرَةً بِنَفْسِهَا حَتَّى صَدَمَتْهَا، فَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ فَلَا ضَمَانَ (كَمُصْعِدَةٍ) فِي أَنَّهَا تَكُونُ مَضْمُونَةً؛ كَمَا يَضْمَنُ الْوَاقِفَةَ قَيِّمُ السَّائِرَاتِ (يَضْمَنُهَا)- أَيْ: الْمُصْعِدَةَ- (الْمُنْحَدِرَةَ)؛ لِأَنَّ الْمُنْحَدِرَةَ تَنْحَطُّ عَلَى الْمُصْعِدَةِ مِنْ عُلُوٍّ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِغَرَقِهَا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى قَيِّمِ الْمُصْعِدَةِ تَنْزِيلًا لِلْمُنْحَدِرَةِ مَنْزِلَةَ السَّائِرَةِ وَالْمُصْعِدَةِ مَنْزِلَةَ الْوَاقِفَةِ (إلَّا أَنْ يَغْلِبَ) فِي الْمُنْحَدِرَةِ (عَنْ ضَبْطِهَا بِنَحْوِ رِيحٍ) كَكَوْنِ الْمَاءِ شَدِيدَ الْجَرْيَةِ، فَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي وُسْعِهِ، وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، وَلِأَنَّ التَّلَفَ يُمْكِنُ اسْتِنَادُهُ إلَى الرِّيحِ أَوْ شِدَّةِ جَرَيَانِ الْمَاءِ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي: إنْ فَرَّطَ الْمُصْعِدُ بِأَنْ أَمْكَنَهُ الْعُدُولَ بِسَفِينَتِهِ- وَالْمُنْحَدِرُ غَيْرُ قَادِرٍ وَلَا مُفَرِّطٍ- فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُصْعِدِ؛ لِأَنَّهُ الْمُفَرِّطُ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُصْعِدَ يُؤَاخَذُ بِتَفْرِيطِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّفْرِيطِ، (فَيُقْبَلُ قَوْلُ مَلَّاحٍ)- وَهُوَ الْقَيِّمُ- (فِيهِ)؛ أَيْ: فِي أَنَّهُ غَلَبَهُ رِيحٌ وَنَحْوُهُ، (وَأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْهُ)؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ. (وَمَنْ خَرَقَهَا)- أَيْ: السَّفِينَةَ- (عَمْدًا)؛ بِأَنْ تَعَمَّدَ قَلْعَ لَوْحٍ وَنَحْوِهِ فِي اللُّجَّةِ، فَغَرِقَتْ بِمَنْ فِيهَا مِنْ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ عَمِلَ بِهِ، أَوْ خَرَقَهَا (شِبْهَهُ)- أَيْ: شِبْهَ الْعَمْدِ- بِأَنْ قَلَعَهُ بِلَا دَاعٍ إلَى قَلْعِهِ فِي قَرِيبٍ مِنْ السَّاحِلِ لَا يَغْرَقُ مَنْ فِيهَا غَالِبًا، فَغَرِقُوا، (عَمِلَ بِذَلِكَ، وَيَقْتُلُ) فِي صُورَةِ الْعَمْدِ (بِكَوْنِهِمْ فِي اللُّجَّةِ أَوْ) الْحَالُ أَنَّهُمْ (لَا يُحْسِنُونَ السِّبَاحَةَ)، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي اللُّجَّةِ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا ضَمَانُ السَّفِينَةِ لِرَبِّهَا، فَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا إنْ تَلِفَتْ وَأَرْشَ نَقْصِهَا إنْ لَمْ تَتْلَفْ بِمَا فِيهَا مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ أَوْ آدَمِيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ، وَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ لَا قِصَاصَ فِيهِمَا، لَكِنْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُهُ فِي الضَّمَانِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الْجِنَايَاتِ، وَالْكَفَّارَةِ فِي مَالِهِ.
(وَ) السَّفِينَةُ (الْمُشْرِفَةُ عَلَى غَرَقٍ يَجِبُ إلْقَاءُ مَا يُظَنُّ بِهِ)- أَيْ: بِإِلْقَائِهِ (نَجَاةٌ) مِنْ الْغَرَقِ، فَإِنْ تَقَاعَدُوا عَنْ إلْقَاءِ الْأَمْتِعَةِ- وَلَوْ كُلُّهَا- أَثِمُوا، وَلَا ضَمَانَ (غَيْرَ الدَّوَابِّ) فَلَا تُلْقَى لِحُرْمَتِهَا، (مَا لَمْ تُلْجِئْ ضَرُورَةٌ لِإِلْقَائِهَا)- أَيْ: الدَّوَابِّ- فَتُلْقَى لِنَجَاةِ الْآدَمِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ آكَدُ حُرْمَةً، وَالْعَبِيدُ فِي ذَلِكَ كَالْأَحْرَارِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلْقَاءُ الْآدَمِيِّينَ بِحَالٍ (فَإِنْ أَلْجَأَتْ) ضَرُورَةٌ (لِإِلْقَاءِ بَعْضِهِمْ) لِنَجَاةِ الْبَاقِي؛ (لَمْ يَجُزْ) [الْإِلْقَاءُ، وَلَوْ أَلْجَأَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ، إذْ فِيهِ إلْقَاءُ حَيٍّ] يَقْصِدُ مُلْقِيهِ اسْتِبْقَاءَ نَفْسِهِ بِإِتْلَافِ غَيْرِهِ، فَمُنِعَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ كَالْمُرْتَدِّ وَالزِّنْدِيقِ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ، فَيَجُوزُ إلْقَاؤُهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ أَلْقَى مَتَاعَهُ وَمَتَاعَ غَيْرِهِ) مَعَ عَدَمِ امْتِنَاعِهِ؛ (لَمْ يَضْمَنْ)؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ (إلَّا إذَا امْتَنَعَ) إنْسَانٌ مِنْ إلْقَاءِ مَتَاعِهِ؛ فَلِغَيْرِهِ أَنْ (يُلْقِيَهُ) مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ؛ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ. (وَيَضْمَنُ) الْمَتَاعَ الْمُلْقَى مَعَ امْتِنَاعِ رَبِّهِ الْمُلْقَى لَهُ؛ لِإِتْلَافِهِ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ. (وَلَا يَضْمَنُ مَنْ قَتَلَ) حَيَوَانًا (صَائِلًا)- أَيْ: وَاثِبًا- (عَلَيْهِ، وَلَوْ) كَانَ الصَّائِلُ (آدَمِيًّا)، كَبِيرًا كَانَ أَوْ (صَغِيرًا)، عَاقِلًا أَوْ (مَجْنُونًا)، حُرًّا أَوْ عَبْدًا؛ (دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ)- أَيْ: الْقَاتِلِ- إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ شَرِّهِ، فَكَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ، فَلَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَهُ لِيَأْكُلَهُ فِي الْمَخْمَصَةِ؛ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ؛ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ غَيْرِهِ؛ فَيَضْمَنُهُ أَيْضًا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. (أَوْ) قَتَلَ (خِنْزِيرًا) لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الْقَتْلِ؛ أَشْبَهَ الْكَلْبَ الْعَقُورَ، وَكَذَا كُلُّ حَيَوَانٍ أُبِيحَ قَتْلُهُ (أَوْ أَتْلَفَ بِنَحْوِ خَرْقٍ [كَكَسْرِ آلَةِ لَهْوٍ] وَلَوْ) كَانَتْ [(مَعَ صَغِيرٍ) حَالَ إتْلَافِهِ لَهَا، أَوْ أَتْلَفَ] (نَحْوَ مِزْمَارٍ) كَرَبَابٍ (أَوْ طُنْبُورٍ أَوْ عُودٍ أَوْ طَبْلٍ أَوْ دُفٍّ بِصُنُوجٍ أَوْ حِلَقٍ)، بِخِلَافِ دُفٍّ لَا حِلَقَ فِيهِ وَلَا صُنُوجَ؛ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ (أَوْ نَرْدٍ أَوْ شِطْرَنْجٍ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الشِّطْرَنْجَ مِنْ آلَةِ اللَّهْوِ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: بَلْ هِيَ مِنْ أَعْظَمِهَا، وَقَدْ عَمَّ الْبَلَاءُ بِهَا. (وَيَتَّجِهُ أَنَّ هَذَا) الْإِتْلَافَ مُغْتَفَرٌ (مِنْ حَيْثُ عَدَمِ الضَّمَانِ) عَلَى مُتْلِفِهِ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ مُنْكَرًا بِحَسَبِ اعْتِقَادِهِ، (وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ التَّحْرِيمِ؛ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ إتْلَافُ مَا)- أَيْ: شَيْءٍ- (فِي يَدِ مَنْ يَرَى فِي مَذْهَبِهِ حِلَّهُ) كَالشِّطْرَنْجِ إذَا وَجَدَهُ فِي يَدِ شَافِعِيٍّ؛ فَلَا يُبَاحُ لَهُ إتْلَافُهُ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يَرَى إبَاحَةَ اسْتِعْمَالِهِ، مَا لَمْ يُلْهِهِ عَنْ الْوَاجِبَاتِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا يَضْمَنُ مُتْلِفُ (صَلِيبٍ أَوْ وَثَنٍ)؛ لِأَنَّهُمَا مُحَرَّمَانِ، فَأَشْبَهَا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْمَيْتَةَ (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا يَضْمَنُ مَنْ (كَسَرَ إنَاءَ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ)، وَأَمَّا إذَا أَتْلَفَهُ؛ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِوَزْنِهِ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا بِلَا صِنَاعَةٍ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: [لَا خِلَافَ] فِيهِ انْتَهَى.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آلَةِ اللَّهْوِ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَا يَتَّبِعَانِ الصِّفَةَ، بَلْ هُمَا مَقْصُودَانِ عَمَلًا أَوْ كَسْرًا، وَالْخَشَبُ وَالرَّقُّ يَصِيرَانِ تَابِعَيْنِ لِلصِّنَاعَةِ، فَالصِّنَاعَةُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَالْغِنَاءِ فِي الْآدَمِيَّةِ؛ لِأَنَّ الصِّنَاعَةَ أَقَلُّ مِنْ الْأَصْلِ، وَالْخَشَبُ وَالرَّقُّ لَا يَبْقَى مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ، بَلْ يَتَّبِعُ الصُّورَةَ أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَقِيلٍ. أَوْ كَسَرَ أَوْ شَقَّ إنَاءً (فِيهِ خَمْرٌ مَأْمُورٌ بِإِرَاقَتِهَا) وَهِيَ مَا عَدَا خَمْرَ الْخَلَّالِ أَوْ خَمْرَ الذِّمِّيِّ الْمُسْتَتِرَةِ (وَلَوْ قَدَرَ عَلَى إرَاقَتِهَا [بِدُونِهِ])- أَيْ: بِدُونِ كَسْرِ الْإِنَاءِ أَوْ شَقِّهِ- أَوْ لَا؛ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِكَسْرِ دِنَانِهَا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «قَالَ أَمَرَنِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ آتِيَهُ بِمُدْيَةٍ، فَأَتَيْته، فَأَرْسَلَ بِهَا فَأُرْهِفَتْ ثُمَّ أَعْطَانِيهَا، ثُمَّ قَالَ: اُغْدُ عَلَيَّ بِهَا، فَخَرَجَ بِأَصْحَابِهِ إلَى أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ، وَفِيهَا زِقَاقُ الْخَمْرِ، وَقَدْ جُلِبَتْ مِنْ الشَّامِ، فَأَخَذَ الْمُدْيَةَ مِنِّي، فَشَقَّ مَا كَانَ مِنْ تِلْكَ الزِّقَاقِ بِحَضْرَتِهِ، ثُمَّ أَعْطَانِيهَا، وَأَمَرَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ أَنْ يَمْضُوا مَعِي، وَيُعَاوِنُونِي أَنْ آتِيَ الْأَسْوَاقَ كُلَّهَا فَلَا أَجِدُ فِيهَا زِقَّ خَمْرٍ إلَّا شَقَقْتُهُ، فَفَعَلْت، فَلَمْ أَتْرُكْ زِقًّا إلَّا شَقَقْتُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَلَوْ لَمْ يَجُزْ إتْلَافُهَا لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَسْرِ الدِّنَانِ وَلَا شَقِّ الزِّقَاقِ، وَقَوْلُهُ فَأُرْهِفَتْ؛ أَيْ: رُقِّقَتْ. يُقَالُ: أَرْهَفَ سَيْفَهُ رَقَّقَهُ، فَهُوَ مَرْهُوفٌ. أَوْ كَسَرَ (حُلِيًّا مُحَرَّمًا عَلَى ذَكَرٍ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ)؛ أَيْ: لَمْ يَضَعْهُ مَالِكُهُ (يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ كَلِجَامٍ) وَسَرْجٍ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ، وَأَمَّا إذَا أَتْلَفَهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مُحَرَّمَ الصِّنَاعَةِ يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ وَزْنًا، وَتُلْقَى صِنَاعَتُهُ.
قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَلَا يَجُوزُ تَخْرِيقُ الثِّيَابِ الَّتِي عَلَيْهَا الصُّوَرُ وَلَا الرُّقُومُ الَّتِي تَصْلُحُ بُسُطًا وَمَضَارِجَ وَتُدَاسُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَسْرُ (مَا)- أَيْ: حُلِيٍّ- (صَلُحَ لَهُنَّ)- أَيْ: لِلنِّسَاءِ- (كَخَوَاتِمِ ذَهَبٍ) فَإِنْ كَسَرَهَا؛ فَإِنَّهُ (يَضْمَنُ) قِيمَتَهَا. وَيَتَّجِهُ (أَنَّ اللُّبْسَ) الصَّالِحَ لِلنِّسَاءِ كَالْأَرْدِيَةِ الْمَنْسُوجَةِ بِالْحَرِيرِ وَالْقَصَبِ (كَذَلِكَ) يَضْمَنُهَا مُتْلِفُهَا بِتَشْقِيقٍ أَوْ تَخْرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَأَمَّا إتْلَافُ (نَحْوِ عِمَامَةٍ حَرِيرٍ) مُخْتَصَّةٍ بِالرِّجَالِ؛ فَإِنَّهَا (لَا تُضْمَنُ)؛ أَيْ: لَا يُضَمِّنُهَا- أَيْ: الْإِمَامُ- مُتْلِفَهَا؛ لِإِزَالَتِهِ مُنْكَرًا، (وَيُؤَيِّدُهُ)- أَيْ: عَدَمُ ضَمَانِ مَا لَيْسَ بِصَالِحٍ لِلنِّسَاءِ- (نَصُّهُ)- أَيْ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ- فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ (عَلَى تَخْرِيقِ الثِّيَابِ السُّودِ)؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ. وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. أَوْ أَيْ: وَلَا يَضْمَنُ مَنْ (أَتْلَفَ آلَةَ سِحْرٍ أَوْ) آلَةَ (تَعْزِيمٍ أَوْ) آلَةَ (تَنْجِيمٍ، أَوْ) أَتْلَفَ (صُوَرَ خَيَّالٍ، أَوْ) أَتْلَفَ (كُتُبَ مُبْتَدِعَةٍ مُضِلَّةٍ، أَوْ) أَتْلَفَ كُتُبًا مُشْتَمِلَةً عَلَى (كُفْرٍ، أَوْ) أَتْلَفَ كُتُبَ (أَكَاذِيبَ أَوْ سخائف لِأَهْلِ الْخَلَاعَةِ) أَوْ الْبَطَالَةِ، أَوْ أَتْلَفَ كُتُبًا (فِيهَا أَحَادِيثُ رَدِيئَةٌ)- أَيْ: مَوْضُوعَةٌ- وَلَوْ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُ كِتَابٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ فِي الْفُنُون: يَجُوزُ إعْدَامُ الْآيَةِ مِنْ كُتُبِ الْمُبْتَدِعَةِ لِأَجْلِ مَا هِيَ فِيهِ، وَإِهَانَةً لِمَا وُضِعَتْ لَهُ، وَلَوْ أَمْكَنَ تَمْيِيزُهَا، (أَوْ خَرَقَ مَخْزَنَ خَمْرٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُهُ، أَشْبَهَ الْكَلْبَ وَالْمَيْتَةَ، وَلِأَنَّ مَخْزَنَ الْخَمْرِ مِنْ أَمَاكِنِ الْمَعَاصِي، وَإِتْلَافُهَا جَائِزٌ.
(وَ) قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ (فِي) كِتَابِ (الْهَدْيِ: يَجُوزُ تَخْرِيقُ أَمَاكِنِ الْمَعَاصِي وَهَدْمُهَا، وَاسْتَدَلَّ) عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ بِتَحْرِيقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَسْجِدَ الضِّرَارِ) وَأَمْرِهِ بِهَدْمِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُتْلِفِ لِمَا تَقَدَّمَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، كُلٌّ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ.

.(فَرْعٌ): [اسْتِعَانَةُ الْمَظْلُومِ بِمَنْ يدفعُ عنهُ]:

(قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ) (لِلْمَظْلُومِ) الِاسْتِعَانَةُ بِمَخْلُوقٍ فِي دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ، فَاسْتِعَانَتُهُ بِخَالِقِهِ أَوْلَى مِنْ اسْتِعَانَتِهِ بِالْمَخْلُوقِ، (وَلَهُ الدُّعَاءُ عَلَى ظَالِمِهِ بِقَدْرِ مَا يُوجِبُهُ أَلَمُ ظُلْمِهِ)، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الدُّعَاءُ (عَلَى مَنْ شَتَمَهُ) أَوْ أَخَذَ مَالَهُ بِالْكُفْرِ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ مَا يُوجِبُهُ أَلَمُ الظُّلْمِ (وَلَوْ كَذَبَ) ظَالِمٌ (عَلَيْهِ)- أَيْ: عَلَى إنْسَانٍ- (لَمْ يَفْتَرِ عَلَيْهِ، بَلْ يَدْعُوَ) اللَّهَ فِيمَنْ يَفْتَرِي عَلَيْهِ (نَظِيرَهُ، وَكَذَا إنْ أَفْسَدَ عَلَيْهِ دِينَهُ) فَلَا يُفْسِدُ هُوَ عَلَيْهِ دِينَهُ، بَلْ يَدْعُو اللَّهَ عَلَيْهِ فِيمَنْ يُفْسِدُ عَلَيْهِ دِينَهُ. هَذَا مُقْتَضَى التَّشْبِيهِ، وَالتَّوَرُّعُ عَنْهُ أَوْلَى (قَالَ أَحْمَدُ: الدُّعَاءُ قِصَاصٌ، وَمَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَمَا صَبَرَ، يُرِيدُ أَنَّهُ انْتَصَرَ) لِنَفْسِهِ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَقَدْ انْتَصَرَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ.
وَلَمَنْ صَبَرَ فَلَمْ يَنْتَصِرْ وَغَفَرَ, إنَّ ذَلِكَ الصَّبْرَ وَالتَّجَاوُزَ {لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}: مَعْزُومَاتِهَا بِمَعْنَى الْمَطْلُوبِ شَرْعًا.
تَتِمَّةٌ:
إذَا غَصَبَ أَرْضًا فَحُكْمُهَا فِي جَوَازِ دُخُولِ غَيْرِهِ إلَيْهَا حُكْمُهَا قَبْلَ الْغَصْبِ، فَإِنْ كَانَتْ مَحُوطَةً كَالدَّارِ وَالْبُسْتَانِ الْمَحُوطِ عَلَيْهِ؛ لَمْ يَجُزْ دُخُولُهَا لِغَيْرِ مَالِكِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهَا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ دُخُولُهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي الضَّيْعَةِ تَصِيرُ غَيْضَةً فِيهَا سَمَكٌ: لَا يَصِيدُ فِيهَا أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنِهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ صَحْرَاءَ جَازَ الدُّخُولُ فِيهَا وَرَعْيُ حَشِيشِهَا.
قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِرَعْيِ الْكَلَأِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، وَذَلِكَ، أَنَّ الْكَلَأَ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ، وَيَتَخَرَّجُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصُّورَتَيْنِ مِثْلُ حُكْمِ الْأُخْرَى قِيَاسًا لَهَا عَلَيْهَا، وَنُقِلَ عَنْ الْمَرُّوذِيِّ فِي دَارٍ طَوَابِيقُهَا غَصْبٌ لَا يَدْخُلُ عَلَى وَالِدَيْهِ فِيهَا؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ عَلَيْهِمَا تَصَرُّفٌ فِي الطَّوَابِيقِ الْمَغْصُوبَةِ، وَنَقَلَ عَنْهُ الْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ فِي رَجُلٍ لَهُ إخْوَةٌ فِي أَرْضِ غَصْبٍ: يَزُورُهُمْ، وَيُرَاوِدُهُمْ عَلَى الْخُرُوجِ، فَإِنْ أَجَابُوهُ، وَإِلَّا لَمْ يُقِمْ مَعَهُمْ، وَلَا يَدَعُ زِيَارَتَهُمْ، يَعْنِي يَزُورُهُمْ يَأْتِي بَابَ دَارِهِمْ، وَيَتَعَرَّفُ أَخْبَارَهُمْ، وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ، وَيُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَدْخُلُ إلَيْهِمْ.

.بَابُ الشُّفْعَةِ:

بِإِسْكَانِ الْفَاءِ مِنْ الشَّفَاعَةِ أَيْ: الزِّيَادَةِ أَوْ التَّقْوِيَةِ أَوْ مِنْ الشَّفْعِ، وَهُوَ أَحْسَنُهَا؛ فَإِنَّ الشَّفِيعَ هُوَ الزَّوْجُ، وَالشَّفِيعُ كَانَ نَصِيبُهُ مُنْفَرِدًا فِي مِلْكِهِ؛ فَبِالشُّفْعَةِ ضَمَّ الْمَبِيعَ إلَى مِلْكِهِ، فَصَارَ شَفْعًا، وَالشَّافِعُ هُوَ جَاعِلُ الْوِتْرِ شَفْعًا، وَالشَّفِيعُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. أَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَإِنْ بَاعَ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ». وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إثْبَاتِ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يُقَاسِمْ فِيمَا بِيعَ مِنْ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ أَوْ حَائِطٍ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَرَادَ بَيْعَ نَصِيبِهِ، وَيُمْكِنُ مِنْ بَيْعِهِ لِشَرِيكِهِ وَتَخْلِيصِهِ مِمَّا كَانَ بِصَدَدِهِ مِنْ تَوَقُّعِ الْخَلَاصِ وَالِاسْتِخْلَاصِ، فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ حُسْنُ الْعِشْرَةِ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ لِيَصِلَ إلَى غَرَضِهِ مِنْ بَيْعِ نَصِيبِهِ وَتَخْلِيصٍ لِشَرِيكِهِ مِنْ الضَّرَرِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَبَاعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ سَلَّطَ الشَّرْعُ الشَّرِيكَ عَلَى صَرْفِ ذَلِكَ إلَى نَفْسِهِ. وَهِيَ فِي الشَّرْعِ (اسْتِحْقَاقُ الشَّرِيكِ) فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ- وَلَوْ مُكَاتَبًا- (انْتِزَاعَ شِقْصِ شَرِيكِهِ) الْمُنْتَقِلِ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ. وَالشِّقْصُ بِكَسْرِ الشِّينِ النَّصِيبُ (مِنْ) يَدِ (مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ)؛ كَالْمُنْتَقِلِ بِالْبَيْعِ الصَّرِيحِ أَوْ بِمَا فِي حُكْمِهِ؛ كَصُلْحٍ بِمَعْنَى بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ بِشَرْطِ الثَّوَابِ (إنْ كَانَ) الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ (مِثْلَهُ) أَيْ: الشَّفِيعُ- فِي الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ (أَوْ دُونَهُ)- أَيْ: الشَّرِيكُ- بِأَنْ كَانَ الشَّرِيكُ مُسْلِمًا وَالْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ الشِّقْصَ كَافِرًا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي الْمَوْرُوثِ وَالْمُوصَى بِهِ وَالْمَوْهُوبِ بِلَا عِوَضٍ وَلَا الْمَجْعُولِ مَهْرًا أَوْ عِوَضًا فِي خُلْعٍ وَنَحْوِهِ أَوْ صُلْحًا عَنْ دَمِ عَمْدٍ وَنَحْوِهِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَأَوْرَدَ عَلَى قَيْدِ الشَّرِكَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ لَمَا حَسُنَ أَنْ يُقَالَ هَلْ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلْجَارِ أَوْ لَا. انْتَهَى وَيُرَدُّ بِأَنَّ السُّؤَالَ لَا يَكُونُ مِمَّنْ عَرَفَ هَذَا الْحَدَّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْجَاهِلِ بِهِ، فَيُجَابُ بِأَنَّ الشُّفْعَةَ اسْتِحْقَاقُ الشَّرِيكِ لَا الْجَارِ. (وَلَا تَسْقُطُ) الشُّفْعَةُ (بِاحْتِيَالٍ) عَلَى إسْقَاطِهَا، (وَيَحْرُمُ) الِاحْتِيَالُ عَلَى إسْقَاطِهَا.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ الْحِيَلِ فِي إبْطَالِهَا وَلَا إبْطَالِ حَقٍّ مُسَلَّمٍ لَهُ. وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَ الْيَهُودُ، فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللَّهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ». وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ وَأَكَلُوا ثَمَنَهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّ الْمُخَادِعِينَ بِقَوْلِهِ: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: مَنْ يَخْدَعْ اللَّهَ يَخْدَعْهُ. وَمَعْنَى الْحِيلَةِ أَنْ يُظْهِرُوا فِي الْبَيْعِ شَيْئًا لَا يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ مَعَهُ، وَيَتَوَاطَئُوا فِي الْبَاطِنِ عَلَى خِلَافِهِ؛ كَإِظْهَارِ (هِبَةِ شِقْصٍ) مَشْفُوعٍ (لِمُشْتَرٍ، وَ) إظْهَارِ هِبَةِ (ثَمَنٍ) مِنْ مُشْتَرٍ (لِبَائِعٍ) بَعْدَ أَنْ تَوَاطَأَ عَلَى ذَلِكَ، (أَوْ إظْهَارِ ثَمَنٍ كَثِيرٍ وَهُوَ قَلِيلٌ) مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ يَقْتَضِيهِ عَنْهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، أَوْ يَشْرِيهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَيَقْتَضِيهِ عَنْهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ أَوْ يَشْتَرِي الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ بِأَلْفٍ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ يَبِيعُهُ الشِّقْصَ بِالْأَلْفِ، أَوْ يَشْتَرِي شِقْصًا بِأَلْفٍ يَدْفَعُ مِنْهَا مِائَةً، (وَيُبْرِئُهُ) الْبَائِعُ (مِنْ الْبَاقِي) وَهِيَ تِسْعُمِائَةٍ، أَوْ يَشْتَرِي جُزْءًا مِنْ الشِّقْصِ بِمِائَةٍ، ثُمَّ يَهَبُ لَهُ الْبَائِعُ بَاقِيَهُ، (أَوْ) يُعْقَدُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مَجْهُولِ الْمِقْدَارِ كَأَنْ (يَبِيعَهُ) الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ (بِصُبْرَةٍ يُجْهَلُ قَدْرُهَا) أَوْ حَفْنَةِ قُرَاضَةٍ أَوْ جَوْهَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ غَيْرِ مَوْصُوفَةٍ أَوْ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلُؤْلُؤَةٍ وَأَشْبَاهِ هَذَا، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَحَيُّلٍ سَقَطَتْ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ تَحَيُّلًا [بِهِ] عَلَى إسْقَاطِهَا لَمْ تَسْقُطْ. (وَيُؤْخَذُ شِقْصٌ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَهِيَ مَا إذَا ظَهَرَ التَّوَاهُبُ (بِمِثْلِ ثَمَنٍ وُهِبَ) لِلْبَائِعِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا، (أَوْ)- أَيْ: فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ- وَهِيَ مَا إذَا كَانَ قِيمَةُ الشِّقْصِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، وَأَظْهَرَا أَنْ الثَّمَنَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، يُؤْخَذُ شِقْصٌ بِمِثْلِ ثَمَنٍ (عُقِدَ بَاطِنًا)، وَهُوَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ، وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى الشِّقْصَ بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَقَضَاهُ عَنْهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ؛ يُؤْخَذُ مِائَةُ دِرْهَمٍ دُونَ الْمِائَةِ دِينَارٍ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ الْمَقْصُودَةِ، وَفِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ، وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ بِأَلْفٍ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ بَاعَهُ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ بِأَلْفٍ؛ يُؤْخَذُ مِائَةُ دِرْهَمٍ أَوْ قِيمَتُهَا ذَهَبًا؛ لِأَنَّ الْمِائَةَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ دُونَ الْأَلْفِ، وَفِي الصُّورَةِ الْخَامِسَةِ، وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى شِقْصًا بِأَلْفٍ فَدَفَعَ مِنْهَا مِائَةً، وَأَبْرَأَهُ الْبَائِعُ مِنْ تِسْعِمِائَةٍ؛ يُؤْخَذُ مِنْهُ مِائَةٌ، وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ أَخَذَ)- أَيْ: الْبَاقِيَ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ- لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ لَيْسَ مَقْصُودًا حَقِيقَةً، وَفِي الصُّورَةِ السَّادِسَةِ، وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى جُزْءًا مِنْ الشِّقْصِ بِمِائَةٍ، ثُمَّ وَهَبَ لَهُ الْبَائِعُ بَقِيَّةَ الشِّقْصِ؛ يُؤْخَذُ أَيْضًا مِائَةٌ لَا غَيْرَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَهَبَهُ بَقِيَّةَ الشِّقْصِ عِوَضًا عَنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الْجُزْءَ، وَفِي الصُّورَةِ السَّابِعَةِ، وَهِيَ مَا إذَا بَاعَهُ الشِّقْصَ بِصُبْرَةِ دَرَاهِمَ مُشَاهَدَةٌ مَجْهُولٌ قَدْرُهَا حِيلَةً، أَوْ بِحَفْنَةِ قُرَاضَةٍ، أَوْ جَوْهَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَنَحْوِهَا مَجْهُولَةُ الْقِيمَةِ حِيلَةً، وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَمَعَ جَهْلِ ثَمَنِ شِقْصٍ)؛ فَيُؤْخَذُ مِثْلُ الثَّمَنِ الْمَجْهُولِ أَوْ مِنْ الدَّرَاهِمِ (بِقِيمَتِهِ) إذَا كَانَ جَوْهَرَةً وَنَحْوَهَا إنْ كَانَ الثَّمَنُ بَاقِيًا، وَلَوْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ مَعَ الْحِيلَةِ بِتَلَفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، أَوْ مَوْتِ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ الْمَجْعُولِ ثَمَنًا؛ دَفَعَ الشَّفِيعُ إلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ، لِأَنَّهَا لَوْ وَقَعَتْ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَكَانَتْ مُحَابَاةً، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا.
قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَمِنْ صُوَرِ التَّحَيُّلِ أَنْ يَقِفَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ يَهَبَهُ حِيلَةً لِإِسْقَاطِهَا؛ فَلَا تَسْقُطُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَيُغَلِّطُ مَنْ يَحْكُمُ بِهَا مِمَّنْ يَنْتَحِلُ مَذْهَبَ أَحْمَدَ، وَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِدُونِ حُكْمٍ انْتَهَى.
قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ: هَذَا الْأَظْهَرُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ عِلْمُ قَدْرِ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ فِي ذَلِكَ عَلَى إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ؛ بِأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: لَا أَعْلَمُ قَدْرَ الثَّمَنِ- وَلَا بَيِّنَةَ بِهِ- فَقَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ الثَّمَنِ (وَيُقْبَلُ قَوْلُ مُشْتَرٍ بِيَمِينِهِ فِي نَفْيِ حِيلَةٍ) عَلَى إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ، فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ. (وَتَسْقُطُ) الشُّفْعَةُ حَيْثُ جَهِلَ قَدْرَ الثَّمَنِ بِلَا حِيلَةٍ؛ كَمَا لَوْ عَلِمَ قَدْرَهُ عِنْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ نَسِيَ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تُسْتَحَقُّ بِغَيْرِ بَدَلٍ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَالًا يَدَّعِيهِ، وَدَعْوَاهُ لَا تُمْكِنُ مَعَ جَهْلِهِ. وَإِنْ خَالَفَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مَا تَوَاطَآ عَلَيْهِ، وَأَظْهَرَا خِلَافَهُ؛ كَمَا تَوَاطَآ عَلَى أَنْ الثَّمَنَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَأَظْهَرَا أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَطَالَبَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِمَا أَظْهَرَاهُ- وَهُوَ الْأَلْفُ فِي الْمِثَالِ- فَإِنَّهُ (يَلْزَمُ) الْمُشْتَرِيَ دَفْعُ (مَا أَظْهَرَ) الْمُتَبَايِعَانِ- وَهُوَ الْأَلْفُ (حُكْمًا)- لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّوَاطُؤِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ قُلْت: إنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِالتَّوَاطُؤِ، وَلَهُ تَحْلِيفُ الْبَائِعِ أَنَّهُ لَمْ يَتَوَاطَأْ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ. (وَيَحْرُمُ بَاطِنًا عَلَى غَارٍّ الْأَخْذُ) مِنْ الْمُشْتَرِي (بِغَيْرِ مَا تَوَاطَآ عَلَيْهِ)؛ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ زِيَادَةً؛ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ.
تَتِمَّةٌ:
قَدْ مَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ قِرَدَةً بِحِيَلِهِمْ، فَإِنَّهُمْ رُوِيَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْصِبُونَ شِبَاكَهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْفِرُ جِبَابًا، وَيُرْسِلُ إلَيْهَا الْمَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِذَا جَاءَتْ الْحِيتَانُ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَعَتْ فِي الشِّبَاكِ وَالْجِبَابِ، فَيَدَعُونَهَا إلَى لَيْلَةِ الْأَحَدِ، فَيَأْخُذُونَهَا، وَيَقُولُونَ: مَا اصْطَدْنَا يَوْمَ السَّبْتِ شَيْئًا، فَمَسَخَهُمْ اللَّهُ قِرَدَةً بِحِيلَتِهِمْ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} قِيلَ يَعْنِي بِهِ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَيْ: لِيَتَّعِظُوا بِذَلِكَ، فَيَجْتَنِبُوا فِعْلَ الْمُعْتَدِينَ، وَلِأَنَّ الْحِيلَةَ خَدِيعَةٌ. وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تَحِلُّ الْخَدِيعَةُ لِمُسْلِمٍ» وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ وُضِعَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، فَلَوْ سَقَطَتْ بِالتَّحَيُّلِ لَلَحِقَ الضَّرَرُ؛ فَلَمْ تَسْقُطْ كَمَا لَوْ أَسْقَطَهَا الْمُشْتَرِي عَنْهُ بِالْوَقْفِ وَالْبَيْعِ، وَفَارَقَ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّحَيُّلَ؛ لِأَنَّهُ لَا خِدَاعَ فِيهِ وَلَا قَصَدَ بِهِ إبْطَالَ حَقٍّ، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ. (وَشُرُوطُهَا)- أَيْ: الشُّفْعَةِ- (خَمْسَةٌ). (أَحَدُهَا كَوْنُ شِقْصٍ) مُنْتَقَلٍ عَنْ الشَّرِيكِ (مَبِيعًا أَوْ) كَوْنُهُ (صُلْحًا) عَنْ إقْرَارٍ بِمَالٍ، وَهُوَ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ، فَيُصَالِحُهُ عَنْ ذَلِكَ بِالشِّقْصِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْبَيْعِ، أَوْ يَكُونُ الشِّقْصُ مُصَالَحًا بِهِ عَنْ جِنَايَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْمَالِ؛ كَقَتْلِ الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ وَأَرْشِ الْجَائِفَةِ وَنَحْوِهَا، أَوْ كَوْنُهُ (هِبَةً) مَشْرُوطًا فِيهَا الثَّوَابُ، فَإِنَّهَا (بِمَعْنَى الْبَيْعِ)؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الَّذِي انْتَقَلَ بِهِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَلَا يُمْكِنُ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ، وَأُلْحِقَ بِالْبَيْعِ الْمَذْكُورَاتُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ، لَكِنْ بِأَلْفَاظٍ أُخَرَ. (فَلَا شُفْعَةَ) فِيمَا انْتَقَلَ عَنْ مِلْكِ الشَّرِيكِ بِغَيْرِ عِوَضٍ (كَقِسْمَةٍ)؛ لِأَنَّهَا إفْرَازٌ وَتَرَاضٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ ثَبَتَتْ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لَثَبَتَ مَالُهُ عَلَيْهِ، فَلَا فَائِدَةَ (وَهِبَةٍ) بِغَيْرِ عِوَضٍ وَمُوصٍ بِهِ وَمُوَرَّثٍ وَنَحْوِهِ؛ كَدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ بِطَلَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ بِأَنْ أَصَدَقَتْ امْرَأَةٌ أَرْضًا، وَبَاعَتْ نِصْفَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ النِّصْفُ الْبَاقِي فِي مِلْكِهَا، وَلَا شُفْعَةَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْمَرْأَةِ عَلَيْهِ. (وَلَا) شُفْعَةَ أَيْضًا (فِيمَا عِوَضُهُ غَيْرُ مَالٍ؛ كَصَدَاقٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ) أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ؛ كَقَوْلِهِ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي، وَخُذْ هَذَا الشِّقْصَ، وَعِوَضِ (صُلْحٍ عَنْ قَوَدٍ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ عِوَضٌ يُمْكِنُ الْأَخْذُ بِهِ، فَأَشْبَهَ الْمَوْهُوبَ وَالْمَوْرُوثَ، وَفَارَقَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ بِعِوَضِهِ، فَلَوْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ عَمْدًا وَخَطَأً، فَصَالَحَهُ مِنْهُمَا عَلَى شِقْصٍ؛ أُخِذَ بِهَا فِي نِصْفِ الشِّقْصِ؛ أَيْ: مَا يُقَابِلُ الْخَطَأَ دُونَ بَاقِيهِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ جَمَعَتْ مَا فِيهِ شُفْعَةٌ وَمَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ، فَوَجَبَتْ بِهَا فِيمَا تَجِبُ فِيهِ دُونَ الْآخَرِ؛ كَمَا لَوْ بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا. وَمَنْ قَالَ لِأُمِّ وَلَدِهِ: إنْ خَدَمْت وَلَدِي حَتَّى يَسْتَغْنِيَ، فَلَكَ هَذَا الشِّقْصُ، فَخَدَمَتْهُ إلَى الْفِطَامِ اسْتَحَقَّتْهُ، وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُوصًى بِهِ بِشَرْطٍ. (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا شُفْعَةَ أَيْضًا فِي شِقْصٍ (أُخِذَ) مِنْ شَرِيكٍ (أُجْرَةً) أَوْ جَعَالَةً (أَوْ ثَمَنَ سَلَمٍ) إنْ صَحَّ جَعْلُ الْعَقَارِ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ، وَقَرَّرَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، (أَوْ عِوَضَ كِتَابَةٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِوَضِهِ فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ، وَلَا بِقِيمَةِ مُقَابِلِهِ مِنْ النَّفْعِ وَالْعَيْنِ، وَأَيْضًا الْخَبَرُ وَارِدٌ فِي الْبَيْعِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ وَارِدَةٌ فِي مَعْنَاهُ، خِلَافًا لِلْحَارِثِيِّ، (أَوْ)؛ أَيْ: وَمِثْلُ مَا عِوَضُهُ غَيْرُ مَالِ شِقْصٍ (اشْتَرَاهُ بِنَحْوِ خَمْرٍ) كَجُلُودِ مَيْتَةٍ وَسِرْجِينٍ نَجِسٍ (أَوْ خِنْزِيرٍ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ، (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا شُفْعَةَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْبَائِعِ كَرَدِّ شِقْصٍ مَشْفُوعٍ بَعْدَ الشِّرَاءِ (عَلَى بَائِعٍ بِفَسْخٍ) أَوْ عَيْبٍ أَوْ مُقَايَلَةٍ أَوْ لِغَبْنٍ [فَاحِشٍ] أَوْ لِاخْتِلَافِ مُتَبَايِعَيْنِ فِي الثَّمَنِ أَوْ خِيَارِ مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ تَدْلِيسٍ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ، وَلَيْسَ بَيْعًا وَلَا فِي مَعْنَاهُ وَلَا شُفْعَةَ (فِيمَا)- أَيْ: شِقْصٍ- (لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) كَأَرَاضِي (مِصْرَ) وَأَرَاضِي (الشَّامِ) وَأَرَاضِي الْعِرَاقِ (وَسَائِرِ مَا وَقَفَهُ عُمَرُ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سِوَى الْمَسَاكِنِ مِنْهَا؛ فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهَا (إلَّا إنْ حَكَمَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ حَاكِمٌ) يَرَاهُ، (أَوْ) إلَّا إذَا (بَاعَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ فَتَثْبُتُ) الشُّفْعَةُ حِينَئِذٍ؛ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ. الشَّرْطُ (الثَّانِي كَوْنُهُ)- أَيْ: الشِّقْصِ- (مُشَاعًا) مَعَ شَرِيكٍ- وَلَوْ مُكَاتَبًا- (مِنْ عَقَارٍ)- بِفَتْحِ الْعَيْنِ- يَعْنِي أَرْضًا (يَنْقَسِمُ)؛ أَيْ: تَجِبُ قِسْمَتُهُ بِطَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ (إجْبَارًا)؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَأَمَّا إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا نَفَى الشُّفْعَةَ بِصَرْفِ الطُّرُقَاتِ، وَهِيَ لِلْجَارِ غَيْرُ مَصْرُوفَةٍ أُجِيبَ بِأَنَّ الطُّرُقَاتِ الَّتِي لَمْ تَنْصَرِفْ بِالْقِسْمَةِ مُخْتَصَّةٌ بِاسْتِطْرَاقِ الْمُشَاعِ الَّذِي يَسْتَطْرِقُ بِهِ الشَّرِيكُ لِيَصِلَ إلَى مِلْكِهِ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ انْصَرَفَ اسْتِطْرَاقُهُ فِي مِلْكِ شَرِيكِهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الطُّرُقَاتِ الْمُسْتَحَقَّةِ؛ فَلَا تَنْصَرِفُ أَبَدًا. (فَلَا شُفْعَةَ لِجَارٍ فِي مَقْسُومٍ مَحْدُودٍ)؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ مَرْفُوعًا: «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الشُّفْعَةِ، فَإِنَّ الصَّقَبَ الْقُرْبُ، يُقَالُ بِالسِّينِ وَالصَّادِ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
كُوفِيَّةٌ نَازِحٌ مَحَلَّتُهَا ** لَا أَمَمَ دَارُهَا وَلَا صَقَبُ

فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِإِحْسَانِ جَارِهِ وَصِلَتِهِ وَعِيَادَتِهِ، وَحَدِيثُ: «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَحَدِيثُ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ يُنْتَظَرُ بِهَا إذَا كَانَ غَائِبًا إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. فَقَدْ أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَبْهَمَ الْحَقَّ [، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْعُمُومِ. وَالثَّانِي مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ] بِالْفِنَاءِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَارِ مِمَّنْ لَيْسَ بِجَارٍ، أَوْ يَكُونُ مُرْتَفِقًا بِهِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْحَسَنَ رَوَاهُ عَنْ سَمُرَةَ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ اخْتَلَفُوا فِي لِقَاءِ الْحَسَنِ لَهُ، وَمَنْ أَثْبُت لِقَاءَهُ إيَّاهُ قَالَ: إنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا حَدِيثَ الْعَقَبَةِ، وَلَوْ سَلِمَ لَكَانَ عَنْهُ [الْجَوَابَانِ] الْمَذْكُورَانِ، وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ شُعْبَةَ قَالَ: سَهَا فِيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سُلَيْمَانَ الَّذِي الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَتِهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هَذَا الْحَدِيثُ مُنْكَرٌ وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَقَدْ أُنْكِرَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَارِ فِي الْأَحَادِيثِ الشَّرِيكُ؛ فَإِنَّهُ جَارٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجِوَارِ يَخْتَصُّ بِالْقَرِيبِ، وَالشَّرِيكُ أَقْرَبُ مِنْ اللَّصِيقِ، فَكَانَ أَحَقَّ بِاسْمِ الْجِوَارِ، وَقَدْ أَطْلَقَتْ الْعَرَبُ عَلَى الزَّوْجَةِ جَارَةً لِقُرْبِهَا.
قَالَ الْأَعْشَى: أَجَارَتَنَا بِينِي فَإِنَّك طَالِقٌ. وَقَالَ حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ: كُنْت بَيْنَ جَارَتَيْنِ فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمِسْطَحٍ، فَقَتَلَتْهَا وَجَنِينَهَا. فَأَطْلَقَ الْجَارَتَيْنِ وَأَرَادَ بِهِمَا الضَّرَّتَيْنِ، وَهَذَا مُمْكِنٌ فِي تَأْوِيلِ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ أَيْضًا.
قَالَ فِي الشَّرْحِ (وَلَا) شُفْعَةَ (فِي طَرِيقٍ) نَافِذٍ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَلَا شُفْعَةَ فِي فِنَاءٍ وَلَا طَرِيقٍ مُثَقَّبَةٍ» رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ. وَالْمُثَقَّبَةُ الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَ دَارَيْنِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْلُكَهُ أَحَدٌ. وَلَا شُفْعَةَ فِي طَرِيقٍ (مُشْتَرَكٍ لَا يَنْفُذُ بِبَيْعِ دَارٍ فِيهِ)- أَيْ: فِي الطَّرِيقِ- بِأَنْ كَانَ غَيْرَ نَافِذٍ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهِ فِيهِ بَابٌ، فَبَاعَ أَحَدُهُمْ دَارِهِ الَّتِي فِيهِ بِطَرِيقِهَا، أَوْ بَاعَ الطَّرِيقَ وَحْدَهُ، وَكَانَ الطَّرِيقُ لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ [فَلَا شُفْعَةَ]. (وَلَوْ كَانَ نَصِيبُ مُشْتَرٍ) لِلدَّارِ بِطَرِيقِهَا أَوْ لِطَرِيقِهَا (مِنْهَا)- أَيْ: مِنْ الطَّرِيقِ- (أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ) فِي الِاسْتِطْرَاقِ؛ إذْ فِي وُجُوبِهَا تَبْعِيضُ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَهُوَ ضَرَرٌ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ (حَيْثُ لَا بَابَ آخَرَ) لِلدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ سِوَى ذَلِكَ الْبَابِ، (وَلَمْ يُمْكِنْ فَتْحُ بَابٍ لَهَا)- أَيْ: الدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ- [سِوَى ذَلِكَ الْبَابِ وَلَمْ يُمْكِنْ فَتْحُ بَابٍ لَهَا أَيْ الدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ] (لِشَارِعٍ) نَافِذٍ؛ فَلَا شُفْعَةَ؛ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَلِحُصُولِ الضَّرَرِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِوُجُوبِهَا؛ لِأَنَّ الدَّارَ تَبْقَى لَا طَرِيقَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ لِسَعَتِهِ، وَلِدَارِ الْمُشْتَرِي طَرِيقٌ آخَرُ إلَى شَارِعٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا طَرِيقٌ، لَكِنْ يُمْكِنُ فَتْحُ بَابٍ لَهَا إلَى شَارِعٍ؛ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فِي الطَّرِيقِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ أَرْضٌ مُشْتَرَكَةٌ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، فَوَجَبَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَرَاضِيِ، (وَكَذَا)- أَيْ: كَالطَّرِيقِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي لَا يَنْفُذُ- (دِهْلِيزٌ)- بِكَسْرِ الدَّالِ- (وَصَحْنُ دَارٍ)- أَيْ: وَسَطُهَا- (مُشْتَرَكَانِ)، فَإِذَا بِيعَتْ دَارٌ لَهَا دِهْلِيزٌ مُشْتَرَكٌ، أَوْ بَيْتٌ بَابُهُ فِي صَحْنِ دَارٍ مُشْتَرَكٍ، وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِطْرَاقُ إلَى الْمَبِيعِ إلَّا مِنْ ذَلِكَ الدِّهْلِيزِ أَوْ الصَّحْنِ؛ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِمَا؛ لِلضَّرَرِ. وَإِنْ كَانَ لَهُ بَابٌ آخَرُ، أَوْ أَمْكَنَ فَتْحُ بَابٍ لَهُ إلَى شَارِعٍ؛ وَجَبَتْ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَعَدَمِ الْمَانِعِ.
تَتِمَّةٌ:
وَلَا شُفْعَةَ بِالشِّرْبِ- بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ- وَهُوَ النَّهْرُ أَوْ الْبِئْرُ أَوْ الْعَيْنُ يَسْقِي أَرْضَ هَذَا وَأَرْضَ هَذَا فَإِذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا أَرْضَهُ الْمُفْرَدَةَ؛ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بِسَبَبِ حَقِّهِ مِنْ الشِّرْبِ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ لَهُ أَرْضٌ تَشْرَبُ هِيَ وَأَرْضُ غَيْرِهِ مِنْ نَهْرٍ؛ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ مِنْ أَجْلِ الشِّرْبِ، إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ (وَلَا) شُفْعَةَ (فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ) بِالطَّلَبِ (كَحَمَّامٍ صَغِيرٍ وَبِئْرٍ وَطُرُقٍ) ضَيِّقَةٍ (وَعِرَاصٍ ضَيِّقَةٍ) وَرَحًى صَغِيرَةٍ وَعِضَادَةٍ؛ لِحَدِيثِ أَبِي عُبَيْدٍ السَّابِقِ، وَلِقَوْلِ عُثْمَانَ: لَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ وَلَا نَخْلٍ، وَلِأَنَّ إثْبَاتَ الشُّفْعَةِ بِهَذَا يَضُرُّ بِالْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ إثْبَاتِ الشُّفْعَةِ فِي نَصِيبِهِ بِالْقِسْمَةِ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْمُشْتَرِي لِأَجْلِ الشَّفِيعِ، فَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ فَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ، فَيُؤَدِّي إثْبَاتُهَا إلَى نَفْيِهَا، فَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ قِسْمَةُ مَا ذُكِرَ كَالْحَمَّامِ الْكَبِيرِ الْوَاسِعِ تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ حَمَّامَيْنِ بِحَيْثُ إذَا قُسِمَ لَا يَتَضَرَّرُ بِالْقِسْمَةِ، وَأَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ حَمَّامًا، فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ فِيهِ، وَكَذَا الْبِئْرُ وَالدُّورُ وَالْعَضَايِدِ مَتَى أَمْكَنَ أَنْ يَحْصُلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئَانِ كَالْبِئْرِ يُقْسَمُ بِئْرَيْنِ يَرْتَقِي الْمَاءُ مِنْهُمَا، أَوْ كَانَ مَعَ الْبِئْرِ بَيَاضُ أَرْضٍ بِحَيْثُ يَحْصُلُ الْبِئْرُ فِي أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ؛ لِإِمْكَانِ الْقِسْمَةِ، وَهَكَذَا الرَّحَى إنْ كَانَ لَهُ حِصْنٌ تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ بِحَيْثُ تَحْصُلُ الْحَجَرَانِ فِي أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ، أَوْ كَانَ فِيهِمَا أَرْبَعَةُ أَحْجَارٍ دَائِرَةٍ يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَجَرَيْنِ؛ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِأَنْ يَحْصُلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ إبْقَائِهَا رَحًى؛ لَمْ تَجِبْ. وَلَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ (فِيمَا لَيْسَ بِعَقَارٍ كَشَجَرٍ) مُفْرَدٍ (وَبِنَاءٍ مُفْرَدٍ) عَنْ أَرْضٍ، وَمِنْ هُنَا لَمْ يَرَ أَحْمَدُ فِي أَرْضِ السَّوَادِ شُفْعَةً، وَكَذَا حُكْمُ سَائِرِ الْأَرْضِ الَّتِي وَقَفَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ كَأَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ إلَّا أَنْ يَبِيعَهَا حَاكِمٌ، أَوْ يَفْعَلَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لِمَصْلَحَةٍ.
تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ كَلَامِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ الْعَقَارَ هُوَ الْأَرْضُ فَقَطْ، وَأَنَّ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ لَيْسَ بِعَقَارٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّهُمَا مِنْ الْعَقَارِ. فَعَنْ الْأَصْمَعِيِّ الْعَقَارُ الْمَنْزِلُ وَالْأَرْضُ وَالضِّيَاعُ. وَعَنْ الزَّجَّاجِ: كُلُّ مَا لَهُ أَصْلٌ انْتَهَى.
وَ(لَا) تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي (حَيَوَانٍ وَجَوْهَرٍ وَسَيْفٍ) وَسَفِينَةٍ وَزَرْعٍ وَثَمَرٍ وَكُلِّ مَنْقُولٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِهَا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ أَرْضًا؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَبْقَى عَلَى الدَّوَامِ، وَيَدُومُ ضَرَرُهَا. (وَيُؤْخَذُ غِرَاسٌ وَبِنَاءٌ) بِالشُّفْعَةِ (تَبَعًا لِأَرْضٍ)؛ «لِقَضَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مُشْتَرَكٍ لَمْ يُقْسَمْ رَبْعَةً أَوْ حَائِطًا»، وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ الْبِنَاءُ وَالْأَشْجَارُ، وَفِي النِّهَايَةِ: الرَّبْعُ الْمَنْزِلُ وَدَارُ الْإِقَامَةِ وَرَبْعُ مَحَلَّتِهِمْ، وَالرِّبَاعُ جَمْعُهُ، وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَرَادَتْ بَيْعَ رِبَاعِهَا- أَيْ: مَنَازِلِهَا- وَالْحَائِطُ الْبُسْتَانُ مِنْ النَّخْلِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَائِطٌ وَهُوَ الْجِدَارُ، وَجَمْعُهُ حَوَائِطُ. انْتَهَى، (وَكَذَا نَهْرٌ وَبِئْرٌ وَقَنَاةٌ وَدُولَابٌ)، فَتُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، لَا مُفْرَدَةً وَ(لَا) يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ تَبَعًا وَلَا مُفْرَدًا (ثَمَرٌ).
قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ (ظَهَرَ، وَ) لَا (زَرْعٌ) ظَهَرَ (مُطْلَقًا)؛ أَيْ: لَا تَبَعًا وَلَا مُفْرَدًا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ، فَلَا يَدْخُلَانِ بِالشُّفْعَةِ كَقُمَاشِ الدَّارِ، وَعَكْسُهُ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ، يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّ الشُّفْعَةَ بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ، لَكِنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ لِلشَّفِيعِ سُلْطَانَ الْأَخْذِ بِغَيْرِ رِضَى الْمُشْتَرِي.
فَائِدَةٌ:
الْحُكْمُ فِي الْغِرَافِ وَالدُّولَابِ وَالنَّاعُورَةِ كَالْحُكْمِ فِي الْبِنَاءِ. قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، فَإِنْ بِيعَ الشَّجَرُ مَعَ أَرْضٍ فِيهَا شُفْعَةٌ وَأُخِذَ الشَّجَرُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِالشُّفْعَةِ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ كَالطَّلْعِ غَيْرِ الْمُشَقَّقِ؛ دَخَلَ الثَّمَرُ فِي الْمَشْفُوعِ تَبَعًا لَهُ حَيْثُ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ قَبْلَ التَّشَقُّقِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ فِي الْبَيْعِ، فَتَبِعَ فِي الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ فِي الْمَعْنَى، فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ حَتَّى تَشَقَّقَ بَقِيَ الثَّمَرُ لِمُشْتَرٍ إلَى أَوَانِ أَخْذِهِ (وَإِنْ بَاعَ عُلُوًّا) مِنْ دَارٍ، وَكَانَ ذَلِكَ الْعُلُوُّ مُشْتَرَكًا وَالسَّقْفُ الَّذِي تَحْتَهُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَحْدَهُ، أَوْ كَانَ السَّقْفُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ، أَوْ كَانَ السَّقْفُ (لَهُ)- أَيْ: لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ- فَلَا شُفْعَةَ فِي الْعُلُوِّ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ مُفْرَدٌ. وَلَا شُفْعَةَ أَيْضًا فِي السَّقْفِ؛ لِأَنَّهُ أَرْضٌ لَهُ، فَهُوَ كَالْأَبْنِيَةِ الْمُفْرَدَةِ. فَإِنْ بَاعَ (سُفْلًا مُشْتَرَكًا) بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَالْعُلُوُّ خَالِصٌ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، فَبَاعَ رَبُّ الْعُلُوِّ نَصِيبَهُ مِنْ السُّفْلِ؛ (ثَبَتَتْ) الشُّفْعَةُ (فِي السُّفْلِ فَقَطْ) دُونَ الْعُلُوِّ؛ لِعَدَمِ الشَّرِكَةِ فِيهِ. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ طَلَبُهَا) أَيْ: الشُّفْعَةِ- (فَوْرًا سَاعَةَ يَعْلَمُ) بِالْبَيْعِ إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: الشُّفْعَةُ بِالْمُوَاثَبَةِ سَاعَةَ يَعْلَمُ، وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ. وَفِي لَفْظٍ: «الشُّفْعَةُ كَنَشْطَةِ الْعِقَالِ إنْ قُيِّدَتْ ثَبَتَتْ، وَإِنْ تُرِكَتْ فَاللَّوْمُ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا». لِأَنَّهُ خِيَارٌ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ، فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ؛ كَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَلِأَنَّ إثْبَاتَهُ عَلَى التَّرَاخِي يَضُرُّ الْمُشْتَرِيَ؛ لِكَوْنِهِ لَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَى الْمَبِيعِ، وَيَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِعِمَارَةِ الْمَبِيعِ خَشْيَةَ أَخْذِهِ مِنْهُ، وَلَا يَنْدَفِعُ عَنْهُ الضَّرَرُ بِأَخْذِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ خَسَارَتَهَا فِي الْغَالِبِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا مَعَ تَعَبِ قَلْبِهِ وَبَدَنِهِ فِيهَا. وَالتَّحْدِيدُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تَحَكُّمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ، ثُمَّ هُوَ بَاطِلٌ بِخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، (فَإِنْ أَخَّرَهُ)؛ أَيْ: أَخَّرَ الشَّفِيعُ طَلَبَ الشُّفْعَةِ عَنْ وَقْتِ الْعِلْمِ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ لِعُذْرٍ (كَشِدَّةِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ بِهِ) حَتَّى يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ (أَوْ) أَخَّرَهُ الْمُحْدِثُ (لِطَهَارَةٍ أَوْ لِإِغْلَاقِ بَابٍ) كَانَ مَفْتُوحًا (أَوْ لِيَخْرُجَ مِنْ حَمَّامٍ) إنْ عَلِمَ وَهُوَ دَاخِلُهَا، (أَوْ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ) مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ، (أَوْ) أَخَّرَهُ مُؤَذِّنٌ (لِيُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ) الصَّلَاةَ، (أَوْ) أَخَّرَهُ (لِيَشْهَدَ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ يُخَافُ فَوْتُهَا)، وَيَأْتِي بِالصَّلَاةِ بِسُنَّتِهَا، أَوْ أَخَّرَهُ (لِيُرَقِّعَ ثَوْبَهُ) الْمُنْخَرِقَ وَقْتَ عِلْمِهِ بِهَا، فَأَخَّرَ الطَّلَبَ لِيُرَقِّعَهُ، لِئَلَّا يَضِيعَ مِنْهُ شَيْءٌ فَأَخَّرَ الطَّلَبَ لَعَلَّهُ (يَجِدُ مَا ضَاعَ مِنْهُ)، (أَوْ) أَخَّرَهُ مَنْ (عَلِمَ لَيْلًا حَتَّى يُصْبِحَ مَعَ غَيْبَةِ مُشْتَرٍ)؛ لَمْ تَسْقُطْ الشُّفْعَةُ (فِي الْجَمِيعِ)- أَيْ: فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ- لِأَنَّهُ مَعَ حُضُورِهِ يُمْكِنُهُ مُطَالَبَتُهُ بِلَا اشْتِغَالٍ عَنْ أَشْغَالِهِ، أَوْ أَخَّرَ الطَّلَبَ لِفِعْلِ (صَلَاةٍ وَسُنَنِهَا وَلَوْ مَعَ حُضُورِهِ)- أَيْ: الْمُشْتَرِي عِنْدَ الشَّفِيعِ- لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْدِيمُ هَذِهِ الْحَوَائِجِ وَنَحْوِهَا عَلَى غَيْرِهَا، فَلَيْسَ الِاشْتِغَالُ بِهَا رِضًى بِتَرْكِ الشُّفْعَةِ؛ كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ الْإِسْرَاعُ فِي مَشْيِهِ أَوْ تَحْرِيكِ دَابَّتِهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَمَضَى عَلَى حَسَبِ عَادَتِهِ إلَى الْمُشْتَرِي؛ إذْ الْفَوْرُ الْمَشْرُوطُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ. (وَلَيْسَ عَلَيْهِ)- أَيْ: الشَّفِيعِ- (تَخْفِيفُهَا)- أَيْ: الصَّلَاةِ- (أَوْ اقْتِصَارٌ عَلَى أَقَلِّ مُجْزِئٍ) فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ كَمَالَهَا لَا يَدُلُّ عَلَى رَغْبَتِهِ عَنْ الشُّفْعَةِ، (أَوْ أَخَّرَهُ)- أَيْ: الطَّلَبَ- (جَهْلًا بِأَنَّ التَّأْخِيرَ مُسْقِطٌ) لِلشُّفْعَةِ- (وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ)- لَمْ تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ مِمَّا يُعْذَرُ بِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَهَا لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَهَا جَهْلًا بِاسْتِحْقَاقِهِ لَهَا أَوْ نِسْيَانًا لِلطَّلَبِ أَوْ الْبَيْعِ كَتَمْكِينِ الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ عَبْدِ زَوْجِهَا مِنْ وَطْئِهَا جَاهِلَةً بِمِلْكِ الْفَسْخِ أَوْ نَاسِيَةً لِلْعِتْقِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ يَجْهَلُهُ؛ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ. (أَوْ أَشْهَدَ بِطَلَبِهِ) لِلشُّفْعَةِ (غَائِبٌ عَنْ الْبَلَدِ)- أَيْ: بَلَدِ الْمُشْتَرِي- لَمْ تَسْقُطْ؛ لِأَنَّ إشْهَادَهُ بِهِ دَلِيلُ رَغْبَتِهِ، وَلَا مَانِعَ لَهُ مِنْهُ إلَّا قِيَامَ الْعُذْرِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْرُكُ الطَّلَبَ لِلْعُذْرِ، وَقَدْ يَتْرُكُهُ لِغَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى التَّوْكِيلِ فِيهِ أَوْ لَا؛ إذْ التَّوْكِيلُ إنْ كَانَ بِجَعْلٍ فَفِيهِ غُرْمٌ، وَإِنْ كَانَ بِتَبَرُّعٍ فَفِيهِ مِنَّةٌ، وَقَدْ لَا يَثِقُ بِهِ، أَوْ أَشْهَدَ بِطَلَبِهِ وَهُوَ مَحْبُوسٌ بِحَقٍّ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ؛ (لَمْ تَسْقُطْ)، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَدَاؤُهُ، فَأَبَى سَقَطَتْ. (وَتَسْقُطُ) الشُّفْعَةُ إذَا عَلِمَ الشَّرِيكُ بِالْبَيْعِ، وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ الْبَلَدِ (بِسَيْرِهِ) هُوَ أَوْ وَكِيلِهِ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمُشْتَرِي (فِي طَلَبِهَا)- أَيْ: الشُّفْعَةِ- (بِلَا إشْهَادٍ) قَبْلَ سَيْرِهِ؛ لِأَنَّ السَّيْرَ يَكُونُ لِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَلِغَيْرِهِ، وَقَدْ قَدَرَ أَنْ يُبَيِّنَ كَوْنَ سَيْرِهِ لِطَلَبِ الشُّفْعَةِ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ؛ سَقَطَتْ؛ كَتَارِكِ الطَّلَبِ مَعَ حُضُورِهِ. (وَلَا) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ (بِسَيْرِهِ)- أَيْ: الشَّرِيكِ- لِمُشْتَرٍ (حَاضِرٍ بِالْبَلَدِ، وَلَا يَلْزَمُهُ)- أَيْ: الشَّفِيعَ- (أَنْ يُسْرِعَ) فِي (مَشْيِهِ)، بَلْ يَمْشِي عَلَى عَادَتِهِ، (أَوْ يُحَرِّكَ دَابَّتَهُ) إنْ رَكِبَ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ الْمَشْرُوطَ هُوَ الطَّلَبُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ. (فَإِذَا لَقِيَهُ)؛ أَيْ: لَقِيَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ (سَلَّمَ) عَلَيْهِ، (ثُمَّ طَالَبَهُ)؛ لِأَنَّهُ، السُّنَّةُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ بَدَأَ الْكَلَامَ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. (فَلَوْ قَالَ الشَّفِيعُ بَعْدَ السَّلَامِ مُتَّصِلًا بِهِ: بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي صَفْقَةِ يَمِينِك وَنَحْوِهِ) كَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا أَوْ غَفَرَ لَك؛ (لَمْ تَبْطُلْ) شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَّصِلُ بِالسَّلَامِ، فَهُوَ مِنْ جُمْلَتِهِ، وَالدُّعَاءُ بِالْبَرَكَةِ فِي الصَّفْقَةِ دُعَاءٌ مِنْ الشَّفِيعِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الشِّقْصَ يَرْجِعُ إلَيْهِ إذَا أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الدُّعَاءُ رِضًى بِتَرْكِ الشُّفْعَةِ. (فَإِنْ اشْتَغَلَ) الشَّفِيعُ (بِكَلَامٍ آخَرَ) غَيْرِ الدُّعَاءِ (أَوْ) سَلَّمَ ثُمَّ (سَكَتَ بِلَا عُذْرٍ بَطَلَتْ) شُفْعَتُهُ؛ لِفَوَاتِ شَرْطِهَا، وَهُوَ الْفَوْرُ، وَيَمْلِكُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِالْمُطَالَبَةِ- وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ مَعَ مَلَاءَتِهِ بِالثَّمَنِ- لِأَنَّ الْبَيْعَ السَّابِقَ سَبَبٌ، فَإِذَا انْضَمَّتْ إلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ كَانَ كَالْإِيجَابِ فِي الْبَيْعِ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ الْقَبُولُ (وَلَفْظُهُ)- أَيْ: الطَّلَبِ- أَنْ يَقُولَ الشَّفِيعُ: (أَنَا طَالِبٌ) بِالشُّفْعَةِ، (أَوْ) أَنَا (مُطَالِبٌ) بِالشُّفْعَةِ، (أَوْ) أَنَا (آخُذُ بِالشُّفْعَةِ، أَوْ) أَنَا (قَائِمٌ عَلَيْهَا)- أَيْ: الشُّفْعَةِ- (وَنَحْوُهُ مِمَّا يُفِيدُ مُحَاوَلَةَ الْأَخْذِ) بِالشُّفْعَةِ (كَتَمَلَّكْتُهُ)- أَيْ: الشِّقْصَ- (أَوْ انْتَزَعْتُهُ مِنْ مُشْتَرِيهِ، أَوْ ضَمَمْتُهُ إلَى مَا كُنْتُ أَمْلِكُهُ) مِنْ الْعَيْنِ. (وَيَمْلِكُ) الشِّقْصَ (بِذَلِكَ، فَيُورَثُ) عَنْهُ إذَا مَاتَ بَعْدَ الطَّلَبِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، (وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ) فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ حَيْثُ كَانَ قَادِرًا عَلَى الثَّمَنِ الْحَالِّ، وَلَوْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ (مَوْقُوفًا) عَلَى دَفْعِهِ ثَمَنَهُ لِمُشْتَرٍ؛ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تَسْلِيمُ الشِّقْصِ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا تُشْتَرَطُ) لِمِلْكِ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ لَهُ بِالطَّلَبِ (رُؤْيَتُهُ)- أَيْ: مَا مِنْهُ الشِّقْصُ الْمَشْفُوعُ (لِأَخْذِهِ) بِالشُّفْعَةِ قَبِلَ التَّمَلُّكَ.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَلَا يُعْتَبَرُ رُؤْيَتُهُ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ انْتَهَى.
وَلَعَلَّ الْأَصْحَابَ نَظَرُوا إلَى كَوْنِهَا انْتِزَاعًا قَهْرِيًّا؛ كَرُجُوعِ نِصْفِ الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ بِطَلَاقِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَآهُ كَمَا لَوْ وَكَّلَ إنْسَانٌ آخَرَ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ وَتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ وَإِصْدَاقِهَا إيَّاهُ فَفَعَلَ، وَلَمْ يَرَهُ الْمُوَكِّلُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ. وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا مَعْرِفَةُ ثَمَنِهِ. وَلِشَفِيعٍ الْمُطَالَبَةُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ يَتَعَرَّفُ مِقْدَارَ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَالْمَبِيعَ، فَيَأْخُذُهُ بِثَمَنِهِ، وَفِي الْمُغْنِي اعْتِبَارُ الْعِلْمِ بِالثَّمَنِ وَبِالْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ، فَيُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِالْعِوَضَيْنِ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ، وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ: الْمَذْهَبُ أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ نَوْعُ بَيْعٍ؛ لِأَنَّهُ دَفْعُ مَالٍ لِغَرَضِ التَّمَلُّكِ، وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ لَهُ الْعِلْمُ بِالشِّقْصِ وَبِالثَّمَنِ، فَلَا يُعْتَبَرُ مَعَ جَهَالَتِهِمَا. وَفِي الْإِقْنَاعِ يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِالثَّمَنِ وَالشِّقْصِ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ. وَالْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْإِقْنَاعِ مِنْ اعْتِبَارِ الْعِلْمِ بِالشِّقْصِ، وَكَذَا بِالثَّمَنِ، نَعَمْ لَهُ الطَّلَبُ بِالشُّفْعَةِ مَعَ جَهَالَةِ الثَّمَنِ، ثُمَّ يَتَعَرَّفُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرِهِ. وَلَا يُعْتَبَرُ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الشَّفِيعِ رِضَى مُشْتَرٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ قَهْرًا، وَالْمَقْهُورُ لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ. (وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَائِبٌ) عَنْ الْبَلَدِ (مَنْ يُشْهِدُهُ) عَلَى الطَّلَبِ، (أَوْ وَجَدَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَامْرَأَةٍ وَفَاسِقٍ) وَغَيْرِ بَالِغٍ، أَوْ وَجَدَ (مَنْ لَا يَذْهَبُ مَعَهُ لِمَوْضِعِ الْمُطَالَبَةِ) فَلَمْ يُشْهِدْهُ، لَمْ تَسْقُطْ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي إشْهَادِهِ، أَوْ وَجَدَ مَسْتُورَيْ الْحَالِ فَلَمْ يُشْهِدْهُمَا؛ لَمْ تَسْقُطْ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا، وَإِنْ وَجَدَ وَاحِدًا فَأَشْهَدَهُ لَمْ تَسْقُطْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْعَدْلِ يُقْضَى بِهَا مَعَ الْيَمِينِ، (أَوْ أَخَّرَ) الشَّرِيكُ (الطَّلَبَ وَالْإِشْهَادَ عَجْزًا) عَنْهُمَا (كَمَرِيضٍ) أَخَّرَهُمَا عَجْزًا عَنْ السَّيْرِ إلَى الْمُشْتَرِي لِيُطَالِبَهُ وَإِلَى مَنْ يُشْهِدُهُ عَلَى أَنَّهُ مُطَالِبٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ يَسِيرٌ كَصُدَاعٍ وَأَلَمٍ قَلِيلٍ؛ فَلَا يُعْذَرُ بِتَأْخِيرِ الطَّلَبِ وَالْإِشْهَادِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَعْجِزُهُ عَنْهُمَا.
وَ(لَا) تَسْقُطُ بِتَأْخِيرِ (مَحْبُوسٍ ظُلْمًا) إنْ عَجَزَ عَنْ الطَّلَبِ وَالْإِشْهَادِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ، (أَوْ) أَخَّرَ الطَّلَب وَالْإِشْهَادَ (لِإِظْهَارِ) الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ مُخْبِرِ الشَّفِيعِ (زِيَادَةَ ثَمَنٍ) عَلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، (أَوْ غَيْرَ جِنْسِهِ) كَإِظْهَارِهِمَا أَنَّهُمَا تَبَايَعَا بِدَنَانِيرَ، فَظَهَرَ أَنَّهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ أَظْهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِنَقْدٍ، فَبَانَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ أَظْهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِنَوْعٍ مِنْ الْعُرُوضِ، فَبَانَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِهِ، أَوْ أَظْهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى الْكُلَّ بِثَمَنٍ، فَظَهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهُ بِنِصْفِهِ، أَوْ أَظْهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهُ بِثَمَنٍ، فَبَانَ أَنَّهُ اشْتَرَى جَمِيعَهُ بِضِعْفِهِ، أَوْ أَظْهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى الشِّقْصَ وَحْدَهُ، فَبَانَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ هُوَ وَغَيْرَهُ، أَوْ بِالْعَكْسِ، بِأَنْ أَظْهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى الشِّقْصَ وَغَيْرَهُ، فَبَانَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَحْدَهُ، (أَوْ) لِإِظْهَارِ أَحَدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ (نَقْصَ مَبِيعٍ أَوْ) لِإِظْهَارِ (هِبَةٍ)؛ أَيْ: أَنَّ الْمَبِيعَ مَوْهُوبٌ، (أَوْ) أَظْهَرَ الْمُشْتَرِي (أَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَيْرُهُ، فَبَانَ) الْأَمْرُ (بِخِلَافِهِ)؛ أَيْ: بِأَنَّهُ هُوَ الْمُشْتَرِي، أَوْ أَظْهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِإِنْسَانٍ، فَبَانَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ، (أَوْ) أَخَّرَ شَفِيعٌ الطَّلَبَ وَالْإِشْهَادَ عَلَيْهِ (لِتَكْذِيبِ مُخْبِرٍ) لَهُ (يُقْبَلُ) خَبَرُهُ؛ فَهُوَ (عَلَى شُفْعَتِهِ) إذَا عَلِمَ بِالْحَالِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُسْقِطًا لِشُفْعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مَعْذُورٌ أَوْ غَيْرُ عَالِمٍ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ مُطْلَقًا، وَلِأَنَّ خَبَرَ مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ مَعَ عَدَمِ تَصْدِيقِ شَفِيعٍ لَهُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِوُقُوعِ الْبَيْعِ وَتَأْخِيرِهِ كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ، فَأَمَّا إنْ أَظْهَرَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ، فَبَانَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ فَلَا شُفْعَةَ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَرْضَى بِالْقَلِيلِ لَا يَرْضَى بِأَكْثَرَ مِنْهُ، أَوْ أَظْهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى الْكُلَّ بِثَمَنٍ، فَبَانَ أَنَّهُ اشْتَرَى بِهِ الْبَعْضَ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَرْضَ بِأَخْذِ الشِّقْصِ كُلِّهِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ لَا يَرْضَى بِأَخْذِ بَعْضِهِ. (وَتَسْقُطُ) شُفْعَتُهُ (إنْ كَذَّبَ) مُخْبِرًا لَهُ (مَقْبُولًا) خَبَرُهُ- وَلَوْ وَاحِدًا- لِأَنَّهُ خَبَرُ عَدْلٍ يَجِبُ قَبُولُهُ فِي الرِّوَايَةِ وَالْفُتْيَا وَالْأَخْبَارِ الدِّينِيَّةِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْبَرَهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدْلٍ. (أَوْ قَالَ) شَفِيعٌ (لِمُشْتَرٍ) شِقْصًا: (بِعْنِيهِ أَوْ أَكْرَنِيهِ)، أَوْ قَاسِمْنِي (أَوْ صَالِحْنِي) عَنْهُ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ مَعَ الشُّفْعَةِ، (أَوْ) قَالَ لَهُ: (هَبْهُ لِي) أَوْ ائْتَمِنِّي عَلَيْهِ (أَوْ بِعْهُ مَنْ شِئْت وَنَحْوَهُ)؛ كَأَعْطِهِ لِمَنْ شِئْت، أَوْ وَلِّهِ إيَّاهُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ لِلْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْت غَالِيًا أَوْ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَيْت أَنَا؛ لِأَنَّ هَذَا وَشِبْهَهُ دَلِيلُ رِضَاهُ بِشِرَائِهِ وَتَرْكِهِ لِلشُّفْعَةِ، وَإِنْ قِيلَ لَهُ: شَرِيكُك بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ زَيْدٍ، فَقَالَ: إنْ بَاعَنِي زَيْدٌ، وَإِلَّا فَلِي الشُّفْعَةُ؛ كَانَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ لِزَيْدٍ بِعْنِي مَا اشْتَرَيْت. قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ، (أَوْ حُبِسَ بِحَقٍّ، وَلَمْ يُبَادِرْ لِطَلَبِ) الشُّفْعَةِ (أَوْ يُوَكِّلْ) فِي طَلَبِهَا بِأَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْهُ؛ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِعَدَمِ عُذْرِهِ فِي التَّأْخِيرِ، (أَوْ لَقِيَ) الشَّفِيعُ (الْمُشْتَرِيَ فَنَسِيَ الْمُطَالَبَةَ)، أَوْ نَسِيَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ الطَّلَبِ فَوْرًا. (وَلَوْ) كَانَ لُقِيُّهُ لَهُ (بِغَيْرِ بَلَدِهِ، وَقَالَ: إنَّمَا تَرَكْتهَا لِأُطَالِبَهُ بِبَلَدِ الْمَبِيعِ) أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ قَالَ: إنَّمَا تَرَكْتهَا لِآخُذَ الشِّقْصَ فِي مَوْضِعِ الشُّفْعَةِ، أَوْ لَمْ يَقُلْ، أَوْ قَالَ الشَّرِيكُ لِلْمُشْتَرِي: بِكَمْ اشْتَرَيْت؟ أَوْ قَالَ لِلشَّرِيكِ: بِعْتُك أَوْ وَلَّيْتُك الْبَيْعَ، فَقَبِلَ ذَلِكَ؛ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ.
وَ(لَا) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ (إنْ عَمِلَ) الشَّرِيكُ (سَفِيرًا بَيْنَهُمَا)- أَيْ: بَيْنَ شَرِيكِهِ وَالْمُشْتَرِي- (وَهُوَ الدَّلَّالُ)- بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا- قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: مَا جَعَلْته لِلدَّلِيلِ وَالدَّلَّالُ؛ لَمْ تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ، (أَوْ تَوَكَّلَ) الشَّفِيعُ (لِأَحَدِهِمَا) فِي الْبَيْعِ، (أَوْ جَعَلَ لَهُ)- أَيْ: الشَّفِيعِ- (الْخِيَارَ) فِي الْبَيْعِ، (فَاخْتَارَ إمْضَاءَهُ فَرَضِيَ) الشَّرِيكُ (بِهِ)- أَيْ: بِالْبَيْعِ- (أَوْ ضَمِنَ ثَمَنَهُ)- أَيْ: الشِّقْصِ الْمَبِيعِ- لَمْ تَسْقُطْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ، فَلَا تَسْقُطُ بِهِ كَالْإِذْنِ فِي الْبَيْعِ، (أَوْ أَسْقَطَهَا)- أَيْ: الشُّفْعَةَ- (قَبْلَ بَيْعٍ)؛ لَمْ تَسْقُطْ؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ لَهَا إنَّمَا هُوَ الرِّضَى بَعْدَ وُجُوبِهَا، وَلَمْ يُوجَدْ، كَمَا لَوْ أَبْرَأهُ مِمَّا يَسْتَعْرِضُهُ لَهُ. وَإِنْ قَالَ لِشَرِيكِهِ: بِعْ نِصْفَ نَصِيبِي مَعَ نِصْفِ نَصِيبِك، فَفَعَلَ؛ ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْمَبِيعِ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَرِيكُهُ. (وَمَنْ تَرَكَ شُفْعَةَ مُوَلِّيهِ)- أَيْ: مَحْجُورِهِ- (أَوْ أَسْقَطَهَا)- أَيْ: شُفْعَةَ مُوَلِّيهِ- (وَلَوْ) كَانَ تَرْكُهُ لَهَا (لِعَدَمِ حَظٍّ) رَآهُ؛ (فَلَهُ)- أَيْ: فَلِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ حَالَةَ الْبَيْعِ- (إذَا صَارَ أَهْلًا الْأَخْذُ بِهَا)- أَيْ: بِالشُّفْعَةِ- قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: لَهُ الشُّفْعَةُ إذَا بَلَغَ، فَاخْتَارَ، وَلَمْ يُفَرِّقْ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَمْلِكُ الْأَخْذَ بِهَا، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ الْحَظُّ فِيهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِتَرْكِ غَيْرِ الشَّفِيعِ؛ كَالْغَائِبِ إذَا تَرَكَ وَكِيلُهُ الْأَخْذَ بِهَا (وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ) صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ (الْأَخْذُ بِهَا) أَيْ: بِالشُّفْعَةِ- لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (مَعَ حَظٍّ)؛ بِأَنْ كَانَ الشِّرَاءُ رَخِيصًا أَوْ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَلِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مَالٌ يُشْتَرَى مِنْهُ- (وَلَوْ بَعْدَ عَفْوِهِ)- أَيْ: الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الِاحْتِيَاطَ. وَفِعْلُ الْأَخْذِ لَهُ، فَإِنْ تَرَكَ الْوَلِيُّ الْأَخْذَ حِينَئِذٍ؛ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ حَظٌّ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ غَبَنَ الْمُشْتَرِي، أَوْ كَانَ الْأَخْذُ بِهَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَسْتَقْرِضَ وَيَرْهَنَ مَالَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ؛ (حَرُمَ) عَلَى الْوَلِيِّ الْأَخْذُ، وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ التَّرْكُ؛ كَسَائِرِ مَا لَا حَظَّ فِيهِ لِمُوَلِّيهِ، (وَلَمْ يَصِحَّ الْأَخْذُ) بِالشُّفْعَةِ حِينَئِذٍ، فَيَكُونُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي. (وَلَا يَأْخُذُ وَلِيُّ حَمْلٍ) مَاتَ مُوَرِّثُهُ كَأَبِيهِ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ (بِهَا)- أَيْ: الشُّفْعَةِ- نَقَلَهُ ابْنُ رَجَبٍ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَأَمَّا إذَا طَالَبَ الْمُوَرِّثُ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَيُوَرِّثُ عَنْهُ الشِّقْصُ؛ كَسَائِرِ تَرِكَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ تَنْبِيهٌ: وَإِنْ عَفَّى الْوَلِيُّ عَنْ الشُّفْعَةِ الَّتِي فِيهَا حَظٌّ لِمُوَلِّيهِ؛ ثُمَّ أَرَادَ الْوَلِيُّ الْأَخْذَ بِهَا؛ فَلَهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ صِحَّةِ عَفْوِهِ عَنْهَا، وَإِنْ أَرَادَ الْوَلِيُّ الْأَخْذَ فِي ثَانِي الْحَالِ وَلَيْسَ فِيهَا مَصْلَحَةٌ لِمُوَلِّيهِ؛ لَمْ يَمْلِكْ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ؛ لِعَدَمِ الْحَظِّ. وَإِنْ تَجَدَّدَ الْحَظُّ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَخَذَ الْوَلِيُّ لَهُ بِهَا؛ لِعَدَمِ سُقُوطِهَا بِالتَّأْخِيرِ، وَحَيْثُ أَخَذَهَا الْوَلِيُّ مَعَ الْخَطَأِ لِمُوَلِّيهِ؛ ثَبَتَ الْمِلْكُ فِي الْمَشْفُوعِ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْ الْعَقْلِ أَوْ الرُّشْدِ؛ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِ الْوَلِيِّ اللَّازِمَةِ [وَحُكْمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ غَيْرِ الْمُطْبِقِ حُكْمُ الْمَحْبُوسِ وَالْغَائِبِ تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُمَا]؛ لِأَنَّهُمَا مَعْذُورَانِ، وَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِمَا، وَحُكْمُ وَلِيِّ الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ- وَهُوَ الَّذِي لَا تُرْجَى إفَاقَتُهُ- وَحُكْمُ وَلِيِّ السَّفِيهِ حُكْمُ وَلِيِّ الصَّغِيرِ فِيمَا تَقَدَّمَ. (وَلِمُفْلِسٍ الْأَخْذُ) بِالشُّفْعَةِ، (وَ) لَهُ (التَّرْكُ)؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ رَشِيدٌ، (وَلَا يُجْبَرُ) أَيْ: وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ إجْبَارُهُ عَلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ- وَلَوْ (مَعَ حَظٍّ) لَهُ فِي الْأَخْذِ- لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى اسْتِيفَائِهِ، (وَكَذَا الْمُكَاتَبُ) لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَالتَّرْكُ كَالْحُرِّ. وَلِلْمَأْذُونِ لَهُ مِنْ الْعَبِيدِ فِي التِّجَارَةِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ دُونَ التَّرْكِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا لِسَيِّدِهِ لَا لَهُ، فَهُوَ كَوَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ. (وَإِذَا بَاعَ وَلِيُّ مَحْجُورَيْنِ لِأَحَدِهِمْ نَصِيبًا فِي شَرِكَةِ الْآخَرِ فَلَهُ)- أَيْ: الْوَلِيِّ- (الْأَخْذُ لِلْآخَرِ بِالشُّفْعَةِ)؛ لِأَنَّهُ كَالشِّرَاءِ لَهُ، (وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ شَرِيكًا لِمَنْ بَاعَ عَلَيْهِ) مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ؛ (فَلَيْسَ لَهُ)- أَيْ: الْوَلِيِّ- (الْأَخْذُ) بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي بَيْعِهِ، وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ، (سِوَى أَبٍ) بَاعَ شِقْصَ وَلَدِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ؛ فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ؛ (لِعَدَمِ تُهْمَتِهِ)، وَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ نَفْسِهِ مَالَ وَلَدِهِ. (وَلَوْ بَاعَ الْوَلِيُّ نَصِيبَهُ) مِنْ شَخْصٍ آخَرَ؛ (أَخَذَ لِمُوَلِّيهِ) ذَلِكَ النَّصِيبَ بِالشُّفْعَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ (إلَّا مَعَ الْحَظِّ لَهُ)- أَيْ: لِمُوَلِّيهِ- لِأَنَّ التُّهْمَةَ مُنْتَفِيَةٌ، فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي ثَمَنِهِ؛ لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي لَا يُوَافِقُهُ، وَلِأَنَّ الثَّمَنَ حَاصِلٌ مِنْ الْمُشْتَرِي كَحُصُولِهِ مِنْ الْيَتِيمِ، بِخِلَافِ بَيْعِهِ مَالَ الْيَتِيمِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ تَقْلِيلُ الثَّمَنِ لِيَأْخُذَ الشِّقْصَ بِهِ، وَإِذَا رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ، فَبَاعَ؛ فَلِلْوَصِيِّ الْأَخْذُ حِينَئِذٍ؛ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ. (وَلِوَكِيلِ بَيْتِ مَالٍ أَخْذُ) شِقْصٍ مُشْتَرَكٍ مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، ثُمَّ بَاعَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ (بِهَا)- أَيْ: بِالشُّفْعَةِ (حَيْثُ لَا وَارِثَ) لِلْمَيِّتِ، وَإِذَا أَخَذَهُ يَضُمُّهُ إلَى مَا بِيَدِهِ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ لِتُصْرَفَ فِيمَا أُعِدَّتْ لَهُ. الشَّرْطُ (الرَّابِعُ) لِلْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ (أَخْذُ) الشَّرِيكِ (جَمِيعَ) الشِّقْصِ (الْمَبِيعِ، فَلَا تَتَبَعَّضُ) الصَّفْقَةُ؛ لِئَلَّا يَنْضَرَّ الْمُشْتَرِي بِتَبْعِيضِهَا فِي حَقِّهِ بِأَخْذِ بَعْضِ الْمَبِيعِ مَعَ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ؛ دَفْعًا لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ، فَإِذَا أَخَذَ الْبَعْضَ لَمْ يَنْدَفِعْ الضَّرَرُ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الشَّرْطُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ مِنْ كَوْنِهِ لَيْسَ شَرْطُ الْأَصْلِ اسْتِحْقَاقَ الشُّفْعَةِ؛ فَإِنَّ أَخْذَ الْجَمِيعِ أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِكَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ، وَالنَّظَرُ فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ فَرْعُ اسْتِقْرَارِهِ، فَيَسْتَحِيلُ جَعْلُهُ شَرْطًا؛ لِثُبُوتِ أَصْلِهِ. قَالَ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُجْعَلَ شَرْطًا لِلِاسْتِدَامَةِ كَمَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ، (فَإِنْ طَلَبَ) الشَّرِيكُ (بَعْضَهُ)- أَيْ: الْمَبِيعِ- (مَعَ بَقَاءِ الْكُلِّ)؛ أَيْ: لَمْ يَتْلَفْ مِنْ الْمَبِيعِ شَيْءٌ؛ (سَقَطَتْ) شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ إذَا سَقَطَ بِالتَّرِكَةِ فِي الْبَعْضِ سَقَطَ فِي الْكُلِّ؛ كَعَفْوِهِ عَنْ بَعْضِ قَوَدٍ يَسْتَحِقُّهُ. (وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُهُ)- أَيْ: بَعْضُ الشِّقْصِ الْمَبِيعِ- كَانْهِدَامِ بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ الَّتِي بِيعَ بَعْضُهَا بِسَبَبِ آدَمِيٍّ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُتْلِفُ لَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرُهُ، وَأَرَادَ الشَّفِيعُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ؛ (أَخَذَ بَاقِيه)- أَيْ: بَاقِي الشِّقْصِ- مَنْسُوبًا إلَى مَا لَا يُتْلِفُهُ مِنْ الدَّارِ (بِحِصَّتِهِ)- أَيْ: بِحِصَّةِ الْبَاقِي- بَعْدَ مَا تَلِفَ مِنْ ثَمَنِ جَمِيعِ الشِّقْصِ. وَلَوْ كَانَ تَلَفُهُ بِسَبَبِ (فِعْلٍ سَمَاوِيٍّ)، وَهُوَ مَا لَا صُنْعَ لِآدَمِيٍّ فِيهِ كَمَطَرٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ صَاعِقَةٍ؛ فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بَاقِيَهُ أَيْضًا بِحِصَّتِهِ لَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، فَلَوْ كَانَ الشِّقْصُ الْمَشْفُوعُ نِصْفًا مِنْ الدَّارِ وَالْبَيْتُ الَّذِي انْهَدَمَ مِنْهَا يَنْقُصُ بِانْهِدَامِ نِصْفِ قِيمَتِهَا أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ، ثُمَّ (إنْ كَانَتْ الْأَنْقَاضُ مَوْجُودَةً؛ أَخَذَهَا مَعَ الْعَرْصَةِ)، وَمَا بَقِيَ مِنْ الْبِنَاءِ (بِالْحِصَّةِ أَوْ)؛ أَيْ: وَإِنْ كَانَتْ الْأَنْقَاضُ (مَعْدُومَةً فَكَذَلِكَ)؛ أَيْ: أَخَذَ مَا بَقِيَ مِنْ الْبِنَاءِ مَعَ الْعَرْصَةِ بِالْحِصَّةِ، لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَخْذُ كُلِّ الْمَبِيعِ بِتَلَفِ بَعْضِهِ، فَجَازَ لَهُ أَخْذُ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَخْذُ الْكُلِّ؛ لِكَوْنِهِ مَعَ شَفِيعٍ آخَرَ. هَذَا الْمَذْهَبُ. (فَلَوْ اشْتَرَى دَارًا)- أَيْ: شِقْصًا مِنْهَا- (بِأَلْفٍ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ، فَبَاعَ) الْمُشْتَرِي (بَابَهَا)، فَبَقِيَتْ بِأَلْفٍ، (أَوْ هَدَمَهَا فَبَقِيَتْ بِأَلْفٍ؛ أَخَذَهَا) الشَّفِيعُ (بِخَمْسِمِائَةٍ) بِالْحِصَّةِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِطْلَاقُهُ الدَّارَ عَلَى الشِّقْصِ مِنْ إطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ}. (وَتُتَصَوَّرُ) الشُّفْعَةُ (فِي دَارٍ كَامِلَةٍ) وَهِيَ (إمَّا بِإِظْهَارِ) الْمُتَبَايِعَيْنِ (مَا)- أَيْ: ثَمَنَ زَائِدٍ كَثِيرًا بِحَيْثُ (تُتْرَكُ الشُّفْعَةُ مَعَهُ)؛ كَأَنْ تَكُونَ دُورٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ، فَيَبِيعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ مِنْ الْجَمِيعِ مُشَاعًا، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ بَاعَ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ تُتْرَكُ الشُّفْعَةُ لِأَجْلِهِ، وَيُقَاسَمُ بِالْمُهَايَأَةِ، فَيَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي دَارٌ كَامِلَةٌ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ الْحَالُ، فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ، أَوْ تَكُونُ دُورُ جَمَاعَةٍ مُشْتَرَكَةٌ، فَيَبِيعُ أَحَدُهُمْ حِصَّةً مِنْ الْجَمِيعِ مُشَاعًا، وَيَظْهَرُ انْتِقَالُ الشِّقْصِ مِنْ جَمِيعِ الْأَمْلَاكِ بِالْهِبَةِ، فَيُقَاسِمُ الْمُشْتَرِي شُرَكَاءَهُ، فَيَحْصُلُ لَهُ دَارٌ كَامِلَةٌ، فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ، (أَوْ)؛ أَيْ: وَيُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ الشُّفْعَةُ فِي دَارٍ كَامِلَةٍ (بِتَرْكِ وَكِيلٍ) شَرِيكًا فِي اسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِ، [(أَوْ) بِتَرْكِ (وَلِيِّ) مَحْجُورٍ عَلَيْهِ (الْأَخْذَ بِهَا)- أَيْ: الشُّفْعَةِ- (وَقُسِمَتْ) بِالْمُهَايَأَةِ، (فَخَرَجَ نَصِيبُ مُشْتَرٍ دَارًا) كَامِلَةً، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنْ يُوَكِّلَ الشَّرِيكُ وَكِيلًا فِي اسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِ]، وَيُسَافِرَ فَيَبِيعَ شَرِيكُهُ أَوْ شَرِيكُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ حِصَّتَهُ فِي جَمِيعِ الدُّورِ الْمُشْتَرَكَةِ، فَيَرَى الْوَكِيلُ أَوْ الْوَلِيُّ أَنَّ الْحَظَّ لِمُوَكِّلِهِ أَوْ لِمُوَلِّيهِ فِي تَرْكِ الشُّفْعَةِ، فَلَا يُطَالِبُ بِهَا، وَيُقَاسِمُ الْمُشْتَرِي الْوَكِيلَ بِحَسَبِ وَكَالَتِهِ أَوْ الْوَلِيَّ بِحَسَبِ وِلَايَتِهِ، فَيَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي دَارٌ كَامِلَةٌ، فَهَدَمَهَا، أَوْ بَاعَ بَابَهَا فَنَقَصَتْ كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ، أَوْ رَشَدَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ، وَعَلِمَ مِقْدَارَ الثَّمَنِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي؛ فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ بِمَعْنَاهُ. (وَلَوْ تَعَيَّبَ مَبِيعٌ بِمَا)- أَيْ: عَيْبٍ- (يُنْقِصُ الثَّمَنَ) مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَمَا لَوْ انْشَقَّ الْحَائِطُ، أَوْ تَشَعَّثَ الْحَجَرُ، أَوْ بَارَتْ الْأَرْضُ؛ (فَلَيْسَ لَهُ)- أَيْ: الشَّفِيعِ- (الْأَخْذُ إلَّا بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ يَتْرُكُ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ مِنْ الْمَبِيعِ شَيْءٌ حَتَّى يُنْقِصَ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِسْقَاطُ بَعْضِ الثَّمَنِ إضْرَارٌ بِالْمُشْتَرِي، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي أَعْطَاهُ الشَّفِيعُ قِيمَةَ بِنَائِهِ، وَلَوْ زَادَ الْمَبِيعُ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً دَخَلَتْ فِي الشُّفْعَةِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي. (وَهِيَ)- أَيْ: الشُّفْعَةُ- (بَيْنَ) شُرَكَاءَ (شُفَعَاءَ عَلَى قَدْرِ أَمْلَاكِهِمْ كَمَسَائِلِ الرَّدِّ)؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ حَقٌّ يُسْتَفَادُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ، فَكَانَ عَلَى قَدْرِ الْأَمْلَاكِ كَالْغَلَّةِ (فَدَارَ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ). لِوَاحِدٍ (نِصْفٌ، وَ) الْآخَرِ (ثُلُثٌ، وَ) الْآخَرِ (سُدُسٌ، فَبَاعَ رَبُّ الثُّلُثِ) نَصِيبَهُ، فَأَصْلُ (الْمَسْأَلَةِ مِنْ سِتَّةٍ). مَخْرَجُ الْكُسُورِ الثُّلُثُ بَيْنَ صَاحِبِهِ النِّصْفُ وَالسُّدُسُ، (وَتَرْجِعُ الْأَرْبَعَةُ). بَسْطُ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ، وَبَسْطُ الثُّلُثِ وَاحِدٌ؛ فَلِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ، وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ وَاحِدٌ، وَلَا يُرَجَّحُ أَقْرَبُ الشُّفَعَاءِ عَلَى أَبْعَدِهِمْ، وَلَا ذَا قَرَابَةٍ مِنْ الشُّفَعَاءِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَ لَيْسَ هُوَ بِبَابِ الشُّفْعَةِ، (وَمَعَ تَرْكِ الْبَعْضِ) مِنْ الشُّرَكَاءِ حَقَّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ؛ (لَمْ يَكُنْ لِلْبَاقِي) الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ حَقَّهُ (أَنْ يَأْخُذَ) بِالشُّفْعَةِ (إلَّا الْكُلَّ)- أَيْ كُلَّ الْمَبِيعِ- (أَوْ يَتْرُكَ) الْكُلَّ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ فِي أَخْذِ الْبَعْضِ إضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي بِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ كَمَا لَوْ كَانَ بَعْضُ الشُّفَعَاءِ غَائِبًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْحَاضِرِ إلَّا أَخْذُ الْكُلِّ أَوْ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ الْآنَ مُطَالِبٌ سِوَاهُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي الشُّفْعَةِ إذَا تَرَكَ الطَّلَبَ وَالْأَخْذَ يَتْرُكُ؛ كَالْمُدَّعِي إذَا سَكَتَ عَنْ دَعْوَاهُ تَرَكَ، (إلَّا أَنْ) يَكُونَ (تَرَكَ) الْأَخْذَ بِهَا (حِيلَةً لِيُلْزِمَ بِهِ)- أَيْ بِالشِّقْصِ كُلِّهِ- (غَيْرَهُ) مِنْ الشُّفَعَاءِ (مَعَ عَجْزِهِ)- أَيْ مَعَ اعْتِقَادِ التَّارِكِ عَجْزَ الْمَتْرُوكِ لَهُ الشِّقْصَ عَنْ أَخْذِهِ كُلِّهِ، فَيَتْرُكُ الشِّقْصَ جَمِيعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ [لَهُ] أَخْذُ الْبَعْضِ؛ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَإِذَا وَجَدَهُ التَّارِكُ أَعْرَضَ عَنْهُ؛ يَرْجِعُ هُوَ لِيَأْخُذَهُ جَمِيعَهُ لِنَفْسِهِ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّحَيُّلُ لِذَلِكَ، وَيُؤْمَرُ بِأَخْذِ حِصَّتِهِ فَقَطْ، وَيَرْجِعُ الْعَاجِزُ عَنْ أَخْذِ الْجَمِيعِ، يَأْخُذُ مِقْدَارَ حِصَّتِهِ، وَيَدْفَعُ لِلْمُشْتَرِي قَدْرَ مَا خَصَّهُ مِنْ الثَّمَنِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي) لِلشِّقْصِ (شَرِيكًا) فِي الْعَقَارِ، وَثَمَّ شَرِيكٌ آخَرُ؛ أَيْ: اسْتَقَرَّ لِمُشْتَرٍ مِنْ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ (بِحِصَّتِهِ). نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي الشَّرِكَةِ فَتَسَاوَيَا فِي الشُّفْعَةِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَهُمَا. (فَإِنْ عَفَا) الْمُشْتَرِي عَنْ شُفْعَتِهِ (لِيُلْزِمَ بِهِ)- أَيْ: الشِّقْصِ جَمِيعِهِ- (غَيْرَهُ) مِنْ الشُّرَكَاءِ؛ (لَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ)، وَلَمْ يَصِحَّ الْإِسْقَاطُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ اسْتَقَرَّ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِ، وَجَرَى مَجْرَى الشَّفِيعَيْنِ إذَا أَخَذَ الْجَمِيعَ، ثُمَّ حَضَرَ الْآخَرُ، وَطَلَبَ حَقَّهُ، فَقَالَ الْآخِذُ لِلْجَمِيعِ لِشَرِيكِهِ: خُذْ الْكُلَّ أَوْ دَعْهُ. (وَمَنْ وَهَبَ) مِنْ الشُّفَعَاءِ (شُفْعَتَهُ لِبَعْضِ الشُّرَكَاءِ)، أَوْ وَهَبَهُ لِغَيْرِهِ؛ (لَمْ يَصِحَّ، وَسَقَطَتْ) شُفْعَتُهُ؛ لِإِعْرَاضِهِ عَنْهَا. (وَيَأْخُذُ حَاضِرٌ) مِنْ الشُّرَكَاءِ (الْكُلَّ)- أَيْ: كُلَّ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ، أَوْ يَتْرُكُهُ نَصًّا، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مُطَالِبٌ سِوَاهُ، وَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُ حَقِّهِ إلَى قُدُومِ الْغَائِبِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إضْرَارِ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ كَانَ الشُّفَعَاءُ ثَلَاثَةً، فَحَضَرَ أَحَدُهُمْ، وَأَخَذَ جَمِيعَ الشِّقْصِ؛ مَلَكَهُ، (وَلَا يُؤَخِّرُ بَعْضَ ثَمَنِهِ لِيَحْضُرَ غَائِبٌ)، فَيُطَالِبَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْأَخْذِ، فَلَمْ يَمْلِكْ تَأْخِيرَهُ (فَإِنْ أَصَرَّ) عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ إيفَائِهِ (فَلَا شُفْعَةَ) لَهُ؛ كَمَا لَوْ أَبَى أَخْذَ جَمِيعِ الْمَبِيعِ. (وَالْغَائِبُ) مِنْ الشُّفَعَاءِ (عَلَى حَقِّهِ) مِنْ الشُّفْعَةِ لِلْعُذْرِ، (فَإِذَا حَضَرَ) الشَّرِيكُ الْغَائِبُ (قَاسَمَهُ)؛ أَيْ: قَاسَمَ شَرِيكَهُ الْحَاضِرَ (إنْ شَاءَ)، أَوْ عَفَا، فَبَقِيَ الشِّقْصُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ إنَّمَا وُجِدَتْ مِنْهُمَا، (فَإِذَا حَضَرَ ثَالِثٌ) بَعْدَ أَنْ قَاسَمَ الثَّانِي الْأَوَّلَ، (قَاسَمَهُمَا إنْ شَاءَ) الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ، (وَبَطَلَتْ الْقِسْمَةُ الْأُولَى)؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ لَهُمَا شَرِيكًا لَمْ يُقَاسِمْ وَلَمْ يَأْذَنْ، وَإِنْ عَفَا الثَّالِثُ عَنْ شُفْعَتِهِ بَقِيَ الشِّقْصُ لِلْأَوَّلَيْنِ، لِأَنَّهُ لَا مُشَارِكَ لَهُمَا. (وَإِنْ خَرَجَ شِقْصٌ) مَشْفُوعٌ (مُسْتَحَقًّا) وَقَدْ أَخَذَ الْأَوَّلُ ثُمَّ الثَّانِي مِنْهُ ثُمَّ الثَّالِثُ مِنْهُمَا- (فَالْعُهْدَةُ عَلَى مُشْتَرٍ)؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَحُصُولُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي، فَكَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ (يَرْجِعُونَ)- أَيْ: الثَّلَاثَةُ- (عَلَيْهِ)- أَيْ: الْمُشْتَرِي- وَ(لَا) يَرْجِعُونَ (عَلَى بَعْضِهِمْ) بِشَيْءٍ، (وَلَوْ قَالَ ثَانٍ لِأَوَّلٍ) حِينَ قُدُومِهِ مِنْ غَيْبَتِهِ: (لَا آخُذُ إلَّا قَدْرَ نَصِيبِي؛ فَلَهُ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ حَقِّهِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَبْعِيضٌ لِلصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَالشَّفِيعُ دَخَلَ عَلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ تَتَبَعَّضُ عَلَيْهِ (وَلَا يُطَالِبُ غَائِبٌ شَرِيكَهُ) الَّذِي سَبَقَهُ بِالْأَخْذِ (بِمَا أَخَذَهُ) سَابِقًا (مِنْ غَلَّتِهِ)- أَيْ غَلَّةِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ- مِنْ ثَمَرٍ وَأَجْرٍ وَنَحْوِهِمَا (قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ) مِنْ غَيْبَتِهِ، لِأَنَّهُ انْفَصَلَ فِي مِلْكِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ انْفَصَلَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ تَرَكَ الْأَوَّلُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ أَوْ أَخَذَ بِهَا، ثُمَّ رَدَّ مَا أَخَذَهُ بِعَيْبٍ تَوَفَّرَتْ الشُّفْعَةُ عَلَى صَاحِبَيْهِ الْغَائِبَيْنِ، فَإِذَا قَدِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَلَهُ أَخْذُ الْجَمِيعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْأَوَّلِ، وَإِنْ أَخَذَ الْأَوَّلُ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ، ثُمَّ أَعَادَهُ لِلْمُشْتَرِي بِنَحْوِ هِبَةٍ؛ فَلَا شُفْعَةَ لِلْغَائِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ بِغَيْرِ السَّبَبِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الشُّفْعَةُ، بِخِلَافِ رَدِّهِ بِعَيْبٍ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى الْمُشْتَرِي بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ، فَكَانَ لَهُ أَخْذُهُ كَمَا لَوْ عَفَا. (وَلِشَفِيعٍ فِيمَا بِيعَ عَلَى عَقْدَيْنِ الْأَخْذُ) بِالشُّفْعَةِ (بِهِمَا)- أَيْ: الْعَقْدَيْنِ- لِأَنَّهُ شَفِيعٌ فِيهِمَا، وَلَهُ الْأَخْذُ (بِأَحَدِهِمَا) أَيُّهُمَا كَانَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَيْعٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ يَسْتَحِقُّهَا، فَإِذَا سَقَطَ الْبَعْضُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْكُلِّ، (وَيُشَارِكُهُ)- أَيْ: الشَّفِيعَ- (مُشْتَرٍ إذَا أَخَذَ) بِالْعَقْدِ (الثَّانِي، فَقَطْ)- أَيْ: دُونَ الْأَوَّلِ- لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فِيهِ، فَهُوَ شَرِيكٌ فِي الْبَيْعِ الثَّانِي، فَإِنْ أَخَذَ بِالْبَيْعَيْنِ أَوْ بِالْأَوَّلِ لَمْ يُشَارِكْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ شَرِكَةٌ، وَإِنْ بِيعَ شِقْصٌ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ عَقْدَيْنِ؛ فَلِشَفِيعٍ الْأَخْذُ بِالْجَمِيعِ وَبِبَعْضِهَا، وَيُشَارِكُهُ مُشْتَرٍ إنْ أَخَذَ بِغَيْرِ الْأَوَّلِ بِنَصِيبِهِ مِمَّا قَبْلَهُ.
(وَ) إنْ تَعَدَّدَا دُونَ الْعَقْدِ [بِأَنْ] (اشْتَرَى اثْنَانِ حَقَّ وَاحِدٍ) صَفْقَةً وَاحِدَةً (أَوْ) اشْتَرَى [وَاحِدٌ] لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ بِالْوَكَالَةِ أَوْ الْوِلَايَةِ أَوْ لَهُمَا؛ بِأَنْ كَانَ وَكِيلًا لِأَحَدِهِمَا وَوَلِيًّا عَلَى الْآخَرِ (حَقَّ) وَاحِدٍ؛ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ حَقِّ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ مَعَ اثْنَيْنِ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ، فَيَكُونُ لِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِهِمَا وَبِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَكَذَا إنْ اشْتَرَى الْوَاحِدُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ؛ لِتَعَدُّدِ مَنْ وَقَعَ لَهُ الْعَقْدُ. وَإِنْ اشْتَرَى وَاحِدٌ حَقَّ (اثْنَيْنِ) صَفْقَةً وَاحِدَةً، (أَوْ) اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ آخَرَ (شِقْصَيْنِ مِنْ عَقَارَيْنِ صَفْقَةً) وَاحِدَةً؛ (فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ حَقِّ أَحَدِهِمَا)- أَيْ: أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ أَوْ الْبَائِعَيْنِ- لِأَنَّ الصَّفْقَةَ مَعَ اثْنَيْنِ بَائِعِينَ أَوْ مُشْتَرِيَيْنِ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ، أَوْ بَاعَ شَرِيكٌ مِنْ عَقَارَيْنِ شِقْصَيْنِ صَفْقَةً؛ فَلِلشَّفِيعِ (أَخْذُ أَحَدِ الشِّقْصَيْنِ) مِنْ أَحَدِ الْعَقَارَيْنِ دُونَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ قَدْ يَلْحَقُهُ بِأَرْضٍ دُونَ أُخْرَى. وَلِلشَّفِيعِ (أَخْذُ شِقْصٍ) مَشْفُوعٍ (بِيعَ صَفْقَةً) وَاحِدَةً (مَعَ مَا)- أَيْ: شِقْصٍ- (لَا شُفْعَةَ فِيهِ كَعَرْضٍ) أَوْ فَرَسٍ أَوْ خَاتَمٍ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَيَأْخُذُهُ بِحِصَّتِهِ- أَيْ: قِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ- (فَيَقْسِمُ الثَّمَنَ) الْمُسَمَّى (عَلَى قِيمَتِهِمَا)- أَيْ: الشِّقْصَيْنِ أَوْ قِيمَةَ الشِّقْصِ وَقِيمَةَ مَا مَعَهُ نَصًّا- فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الشِّقْصِ مِائَةً وَقِيمَةُ مَا مَعَهُ عِشْرُونَ؛ أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، (وَلَا يَثْبُتُ لِمُشْتَرٍ خِيَارُ التَّفْرِيقِ فِيهِمَا) فِي أَخْذِ الشَّفِيعِ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ، وَذَلِكَ لِتَعَدُّدِ الْعَقْدِ فِي الْمَعْنَى.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ بَاعَ اثْنَانِ نَصِيبَهُمَا مِنْ اثْنَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً؛ فَالتَّعَدُّدُ وَاقِعٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ؛ إذْ الْبَائِعُ اثْنَانِ وَالْمُشْتَرِي اثْنَانِ وَالْعَقْدُ وَاحِدٌ، وَذَلِكَ الْعَقْدُ بِمَثَابَةِ أَرْبَعِ صَفَقَاتٍ؛ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ الْكُلِّ، أَوْ أَخْذُ نِصْفِهِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيُبْقِي نِصْفَهُ الْآخَرَ، أَوْ أَخْذُ رُبْعِهِ مِنْ أَحَدِهِمَا فَيُبْقِي لَهُ وَلِلْآخَرِ نِصْفَهُ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ أَخِيرَةٌ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا. الشَّرْطُ (الْخَامِسُ) لِلْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ (سَبْقُ مِلْكِ شَفِيعٍ لِلرَّقَبَةِ)؛ أَيْ: أَنْ يَسْبِقَ مِلْكُهُ الْجُزْءَ مِنْ رَقَبَةِ مَا مِنْهُ الشِّقْصُ الْمَبِيعُ عَلَى زَمَنِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ ثَبَتَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّرِيكِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ سَابِقٌ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ؛ فَلَا شُفْعَةَ. وَيُعْتَبَرُ ثُبُوتُ (تَمَامِ الْمِلْكِ) لِلشَّفِيعِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ إقْرَارِ الْمُشْتَرِي، فَلَا تَكْفِي الْيَدُ؛ لِأَنَّهَا مُرَجِّحَةٌ فَقَطْ حَمْلًا بِالظَّاهِرِ، وَلَا تُفِيدُ الْمِلْكَ كَمَا يَأْتِي فِي الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ، (فَيَثْبُتُ) الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ (لِمُكَاتَبٍ) سَبَقَ مِلْكُهُ لِلرَّقَبَةِ؛ لِصِحَّةِ مِلْكِهِ كَغَيْرِهِ، وَلَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ (لِأَحَدِ اثْنَيْنِ اشْتَرَيَا دَارًا صَفْقَةً) وَاحِدَةً عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْأَخْذِ سَبْقُ الْمِلْكِ، وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا، (وَ) كَذَا (لَوْ) جُهِلَ السَّبْقُ (مَعَ ادِّعَاءِ كُلٍّ) مِنْهُمَا (السَّبْقَ، وَتَحَالَفَا) [أَوْ] أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، (وَتَعَارَضَتْ بَيِّنَتَاهُمَا)؛ بِأَنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَبْقِ مِلْكِهِ وَتَجَدُّدِ مِلْكِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ السَّبْقُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. (وَلَا) تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِمَالِكٍ (بِمِلْكٍ غَيْرِ تَامٍّ كَبَيْعِ شِقْصٍ مِنْ دَارٍ مُوصًى لَهُ بِنَفْعِهَا)؛ فَلَا شُفْعَةَ لِلْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ فَلَا تَجِبُ بِهَا وَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ [لِمَالِكٍ بِمِلْكٍ] غَيْرِ تَامٍّ (كَشَرِكَةِ وَقْفٍ) عَلَى مُعَيَّنٍ، (فَلَا يَأْخُذُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ بِهَا)- أَيْ: الشُّفْعَةِ- فَدَارٌ نِصْفُهَا وَقْفٌ وَنِصْفُهَا طَلْقٌ، وَبِيعَ الطَّلْقُ لَا شُفْعَةَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ تَامٍّ؛ أَشْبَهَ مَالِكَ الْمَنْفَعَةِ. (وَيَتَّجِهُ وَعَكْسُهُ يَصِحُّ) الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ كَتَعَطُّلِ مَنَافِعِ الدَّارِ الَّتِي نِصْفُهَا وَقْفٌ وَنِصْفُهَا طَلْقٌ بِانْهِدَامِهَا أَوْ خَرَابِ مَحَلَّتِهَا، وَبَيْعِ الشِّقْصِ الْمَوْقُوفِ لِيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ مَا يَكُونُ وَقْفًا مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ أَوْ يُصْرَفَ فِي وَقْفٍ مِثْلِهِ؛ إذْ مَا لَا يُدْرَكُ كُلُّهُ؛ لَا يُتْرَكُ كُلُّهُ؛ فَلِلشَّرِيكِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ إذْ لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ بِلَا رَدِّ عِوَضٍ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ بِرَدِّ عِوَضٍ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ؛ لَكَانَ ذَلِكَ جَائِزًا؛ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ الْقِسْمَةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) إنْ وَكَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْآخَرَ بِأَنْ قَالَ لَهُ: (بِعْ نِصْفَ نَصِيبِي مَعَ نِصْفِ نَصِيبِك، فَفَعَلَ)؛ أَيْ: فَبَاعَ بِالْأَصَالَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْوَكَالَةِ عَنْ شَرِيكِهِ؛ (ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا)- أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ- (فِي) الشِّقْصِ (الْمَبِيعِ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ) عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ الْمَذْكُورَ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ لِتَعَدُّدِ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ الْعَقْدُ.